تراجع خطير في أوضاع المرأة العراقية وتفاقم كوارث التمييز / تيسيرعبد الجبار الآلوسي

الاربعاء - 12/06/2019 - 10:48


مقتبس: “لا حرية لمجتمع يكرس التمييز ضد المرأة ويتستر على جرائم فلسفته الذكورية بغربال التدين المزيف.. فلننعتق من اللعبة ونبدأ طريق الأنسنة لحياة حرة كريمة”.


كشف تقرير دولي عن تدني مستويات تحتلها أوضاع المرأة العراقية بين أوضاع نساء العالم في ظروف المعاناة والمآسي التي تصادر حقوقها وحرياتها في العراق. إن ظاهرة العنف وسطوة البلطجة والخطاب المرضي الذكوري ومنطق التجهيل وإشاعة التخلف وظلاميات الفكر ومنظومة قيمية مجترة من عشائريات عفى عليها الزمن هو أحد أركان الكارثة الإنسانية بحق المرأة العراقية.. نضع بين الأيدي قراءة أولى لوجه من أوجه التقرير العالمي  المذكور.
إنّ قراءة الأوضاع الإنسانية ببلد تساهم فيها جملة أدوات فاحصة منها تلك الدراسات الأممية.. إذ تتنامى أدوار المؤشرات العالمية لقياس أوضاع حقوق الإنسان وأوضاع شعوب العالم؛ الأمر الذي يساهم في تعزيز الدراسات والبحوث لتعديل المسارات وسد المثالب والثغرات..
وفي أحدث المؤشرات العالمية قالت منظمة تدابير متساوية 2030 (Equal Measures 2030) المعنية بدعم المساواة بين الجنسين عالمياً في تقرير لهذا العام 2019: إنها درست أوضاع المساواة في 129 دولة بوساطة 51 مؤشراً تتضمن 17 هدفاً إنمائيا مستداماً مما تبنته الأمم المتحدة. وجاءت النتائج بغالبها في منطقة الشرق الأوسط أقل من المتوسط المعتمد الذي يساوي 65.7%..
لقد كانت الجزائر الوحيدة التي حققت المعدل المتوسط فيما شاركتها تونس الترتيب الـ65 عالمياً فيما حلَّ العراق إلى جانب ذيل القائمة الذي قبعت فيه كل من اليمن وموريتانيا. ومع أنّ التقرير يتحدث وجود ثغرات تتطلب المعالجة حتى في مناطق الترتيب الأعلى بالإشارة إلى النموذج الأوروبي إلا أنَّ الإشارة تتغير نوعيا عندما يتعلق بنسبة تقارب نصف نساء العالم وما يتعرضن له بدول التخلف..
الأنكى أن نساء كما في العراق تراجعت أوضاعهن مأساوياً منذ عقد ونصف العقد بخلفية التراجع القيمي ومنظومة تلك القيم المجتمعية بظلال ثقافة النظام العام والانهيار الهيكلي البنيوي فيه..
إنّ أموراً تخص المناخ والبيئة والخدمات العامة من صحة وتعليم وطابع التوظيف وتسلم المناصب والمسؤوليات وما يخص تساوي الأجور فضلا عن مشكلة الأمن والأمان ومستويات العنف بأشكاله ومنه العنف الأسري باتت كوارث تراجيدية في أوضاع المرأة العراقية..
وإذا كانت الخطط والسياسات العامة تتعكز على انخفاض إيرادات (النفط)! فإن دولا هي الأقل دخلا عالميا مثل رواندا وكينيا، حققت بمجال الأمن الجسدي وأمور أخرى مستويات متقدمة على وفق التقرير.
وأن تحتل المرأة العراقية مثل ذاك الموقع المتأخر عالميا وما قبل الأخير تقريباً عربيا شرق أوسطياً فذلك من مهازل المخرجات… والنتائج التي تتحدث [فيها السلطات الطائفية] عن صور مبهرجة وعن ستر المرأة وحشمتها وكفايتها وصونها خلف براقع الأقمشة السوداء والجدران المسلحة لا تستطيع تلك الادعاءات أن تُخفي الحقيقة في أن المرأة العراقية بذاك المجتمع الذكوري  مأسورة لأغراض استغلال هو الأكثر فحشاً وتردياً ومصادرةً لشخصيتها وحقوقها وحرياتها الإنسانية..
ولعل مجتمعاً تُهان فيه المرأة وتستلب وتُصادَر لا يمكن أن يكون حراً بل هو مجتمع مكبل بقيود التخلف والتجهيل وبسلطة بلطجة الهمجية ووحشية عنفها وإجرامها..
لقد كانت المرأة العراقية منذ مطلع عشرينات القرن المنصرم صاحبة الإرادة والنضالات البهية وشاركت في انتفاضات الشعب وثوراته الوطنية والطبقية وساهمت في مسيرة بناء الدولة ومحاولة تبني الطريق الأكثر صوابا وسلامة حيث التنمية والتقدم حتى انتصرت لتشريعات مميزة كما في قانون 188 لسنة 59 وتسلمت عديدا من المهام والمسؤوليات في قيادة الأحزاب السياسية التقدمية وكانت الوزيرة منذ خمسينات القرن الماضي وتبوأت في الستينات والسبعينات مراكز مهمة في إدارة الأنشطة المجتمعية والرسمية، وكان ظهور رابطة المرأة أروع مؤشرات وعيها واشتغالاتها..
إلا أنه منذ العام 2003، تمّ تكريس النظام البطرياركي (الطائفي الكليبتوقراطي) المفسد واستغلاله أيضا منظومة قيمية (عشائرية) وأخرى من أوبئة الأزمنة الغابرة وكهوف الظلام عاد بالمجتمع وبالمرأة إلى مناطق اللفائف المجسِّدة للتخلف وتحجيب العقل وتجهيل الشخصية الإنسانية ومحو إنسانيتها بالقدر الذي يؤشر علامات الوحشية والهمجية للعنف السائد…

إننا نربأ بالمرأة العراقية عن هذا المستوى المتدني والمواقع المتأخرة وهي التي ساهمت بقيادة المنظمات النسوية العالمية وقدمت المنجزات الإبداعية والعلمية بمختلف الميادين وهي التي رافقت النضالات المهنية النقابية والسياسية المجتمعية بعموم محاورها وهي حاملة رايات السلام والتنوير ومن ثم هي الإنسان بكامل الحقوق والحريات وهكذا فإن قوى التنوير مطالبة بإدانة أعلى صوتا وأكثر فعلا في برامجها وأدائها، لتلك السياسات التي ازدرت المرأة العراقية ووضعتها بمناطق معتمة مظلمة بقصد تعطيل مساهمة نصف المجتمع في مسيرة التحرر الوطني الديموقراطي في العراق. بخلفية التمييز على أساس الجندر..
ونرى أن مزيد التضامن المجتمعي وتقديم موضوع المساواة والعدل بأولوية مناسبة ومن ذلك إنهاء تفريغ محتوى الكوتا النسائية وتجييرها لقوى الأسلمة الظلامية وإطلاق مبدأ المساهمة الحرة العادلة وتعزيز التعليم محتوى ومستوى وتقديم ثقافة تنويرية تحررية سيكون قوة ليس للمرأة وحدها بل للمجتمع المنتمي لعصرنا..
ويهمنا هنا أن نؤشر قضايا من قبيل:
1. حرية تشكيل المنظمات النسوية وحرية ممارسة الأنشطة النسوية بفضاء ديموقراطي كامل الحرية.
2. إيجاد التشريعات المغلّظة بمرحلة انتقالية، ضد ظواهر العنف ضد المرأة ومنه العنف الأسري..
3. معالجة ظواهر التزويج القهري بسلطة ذكورية بخاصة منه للقاصرات مما يتم خارج سلطة الدولة بمسميات تتبارك بالشيخ والسيد أو ما يسمونه زوراً رجل الدين بوقفها قانوناً وتطبيقاً..
4. منع أشكال التمييز بخاصة من ظواهر أولوية التعليم من جهة وأسبقية من يخضعونه للتسرب الدراسي فضلا عن محتوى المناهج ومنظومتها القيمية التي تعنى بالمساواة والعدل والإنصاف.
5. إطلاق حرية الأنشطة الإبداعية الأدبية الفنية وحمايتها ودعم فرصها في مجالاتها كافة..
6. منح فرص التعيين والتوظيف بنسب متساوية للجنسين في مختلف منصات العمل وميادينه..
7. إبعاد شبح السلطة الذكورية بمجال سطوة القيم العشائرية وأشكال السلوك المجتمعي المشوهة الخارجة على القانون ومنع أي دور للكهنوت الديني مما يوضع اليوم فوق سلطة القانون المدني العلماني.
8. كبح جماح السلوك الاجتماعي الماضوي كما في بيع النساء وتحويلهن إلى مسميات الفصلية والنهوة وما شابه في مسمى التزويج وهي شكل من اشكال الرقيق الأبيض وسلوك طريقه..
9. منح فرص التوعية والتثقيف وحملات التنوير المجتمعي بمستويات الإعلام وأنشطة المنظمات والمنتديات كافة..
10. الأجور المتساوية للعمل المتساوي.. والانتباه القانوني الفعلي للضمان الاجتماعي والصحي وإلزامية التعليم المجاني لمرحلة التعليم الأساس..
11. الالتفات ببرامج متخصصة للأرامل والمطلقات وبعموم وحيدات العيش ومنهن من يرعى الأيتام فضلا عن نزيلات بيوت الرعاية وحمايتهن من ظاهرة باتت سلوكا شائنا ثابتا بالاعتداءات عليهن وانتهاك القيم والثوابت الإنسانية.
12. معالجة ظواهر العمل المنزلي وثقافته والعلاقات الأسرية القائمة على التمييز والمصادرة..
13. كبح ظواهر الفصل والتمييز بمختلف ميادين الدراسة والعمل والأنشطة المجتمعية ما يعني تبني ثقافة ذكورية مقصودة المخرجات…
14. تبادل التجاريب والانفتاح على العالم المتقدم ونقل المناسب المؤاتي للاستفادة منه بمختلف ميادين الحياة.
15. يُفترض في المثقف العضوي التنويري أن يعالج ما ينتشر من ظواهر ويخترقها سلبيا بقدر تعلق القضية بالوجود الإنساني المشترك، ما يفرض ضرورة إفراد مساحات كافية للحوار بالخصوص..
16. إن ضم النساء للتشكيلات الميليشياوية وفرض ثقافة العنف والبندقية لا يفتح بوابة مساواة ولكنه يفتح منافذ تكريس ثقافة العنف وبلطجته بوقت يتعارض ذلك وسمة الحركة النسوية في حمل رايات السلام..
17. تكريس ثقافة البكاء والنواح والسلبية والعزيات وفرضها على مدار السنة يمثل ركنا جوهريا في فرض سلوكيات السلبية للمرأة ولمسخ شخصيتها من صانعة الحياة إلى متقوقعة في سجن مصطنع لها لا ينتج إلا الحزن، وهو إضرار بشخصيتها الإنسانية ومصادرة نوعية لها.
18. يحاول بعض (رجال) بخاصة ممن يرتدي الجلباب والعمامة ومن يمثل السلطة الطائفية اختلاق غيتوات ومحابس حتى في مجتمعات الجاليات العراقية المهاجرة وهو أمر يبيح ارتكاب جرائم مركبة ومعقدة ما يتطلب موقفا من منظمات المجتمع المدني ومنها النسوية في مطاردة ما يشاع بحجة التدين ولباس العفة وعلامات ما يسمونها سن التكليف (الشرعي) وما شابه من منظومات قيمية لا تنتمي لدين وخطاب يحترم إنسانية الإنسان ومنه إنسانية المرأة وتتطلب الأمور دراسة الغث من السمين والإيجابي من السلبي في ضوء القوانين المرعية وقيم الأنسنة وإبعادا لاحتمالات الاستغلال وإيقاع الإجحاف بحق المرأة
إن إحصاءات ظواهر الانتحار يسجل لنا مدى الاحباط والانكسار الذي تعاني منه المرأة العراقية والأكثر إجراما أن تُنسب عمليات القتل الصريحة لفعل الانتحار وسجل القتل نفسه في تفاقم مفضوح.. والنسوة يتعرضن لجرائم الاغتصاب ومنه الاغتصاب الجنسي والاعتداءات البدنية وأفعال تحقير والازدراء بمستويات عائلية قرابية وغيرها.. فكيف يمكن قراءة أوضاع المرأة في مجتمع باتت الظواهر المزيفة في ادعاء التدين تتحكم بالمشهد العام!
إنه مما يلزمنا اليوم هو مراجعة برامج رابطة المرأة العراقية والمنظمات النسوية المعنية وتبني ما فيها من استراتيجيات وتفاصيل تتطلب أولوية في حركة المجتمع بأطره الحقوقية بكل معنى الأنسنة والاستجابة للعدل والمساواة في مسارات الحياة.
ولعل قراءة الموقع المتخلف المتدني في التسلسل الذي احتلته المرأة العراقية عالميا لا يعني أنها قاصرة وغير منتجة وعاجزة مشلولة ولكن يعني أنها مصادرة مستلبة محظور عليها العمل والإنجاز وما يطفو من واجهة (تمثيلية) هي محاولة ستر فلسفة النظام لكنها غربال لن يحجب روعة المرأة العراقية ونضالاتها ووعيها وقريبا سيجري التغيير المجتمعي وبناء مجتمع يحتضن الطاقات الإنسانية بلا تمييز من أي شكل ومنه التمييز البائس ضد المرأة…
ولنمضي معا وسويا من أجل خلق وسائل التحرر والانعتاق ….