هناك تساءل يطفوا على السطح من خلال الشد والجذب بين الاسلاميين والتبار المدني والليبيراليين من جهة اخرى , ووصلت الحال ان يصف ابناء الوطن الواحد كل طرف انه ذيل لتلك الجهة, وهذا جوكر السفارات .. فما هي القاعدة الفكرية التي اوصلت المجتمع ان يتحول بين ذيول وجوكرية.؟
بداية هناك ارثا ثقيلا تحمله العراقيون منذ الاحتلال الصفوي- العثماني , وكرسه الاحتلال البريطاني , حين اصدرت الدولة الصفوية هويات شخصية اعتبرت العراقيين تابعين لدولتها , وحين وقع العراق تحت احتلال الدولة العثمانية تم تبديل الهويات( الجنسية الصفوية) الى جنسية عثمانية ,صاحب كلا الحالتين عند الشيعة والسنة تصرفات من حكومتي الاحتلال ’ لم يكن للشعب يد فيها , يقول الامام علي(ع) " لا راي لمن لا يطاع " . ولكن الاتهام بالصفوية والتبعية العثمانية بدأت من هذه الاوضاع السياسية , ولا زلنا نتحملها ليومنا هذا .
النقطة الثانية: المعروف ان المناهج الدراسية في القرن الثامن عشر , كانت باللغة التركية ,وتعمد العثمانيون ان لا يفتحوا مدارس في جنوب العراق , احتكروا التعليم على العاصمة والمحافظات الغربية والموصل وكركوك , هذا الاسلوب اوجد خللا في العلاقات بين مجموع الشعب مع بعضهم ومع السلطة, في وقت ظهرت اصوات من الداخل والخارج تدعوا الولاء ( للقوم والمذهب والوطن) فترعرع النفس القومي والطائفي , وحين جاء الاحتلال البريطاني عام 1914-1917 لم يكن في العراق معنى الدولة , بل امارات عشائرية , مما حدى بالعراقيين الاستعانة من خارج الحدود ب ( ساطع الحصري) القومي النزعة لأعداد مناهج دراسية للمدارس العراقية , واعترض المراجع الشيعة على المناهج كونها تحمل نفسا طائفيا قوميا . فتم تبديل المناهج بناء على معارضة المرجعية لمرتين ..! بنفس الوقت الحركات السياسية التي تحركت في الساحة كانت تعتمد بفكر من خارج الحدود ,من غير المسلمين , فاصبح الولاء الفكري يترسخ في فكر الحزبيين لكل حزب , وزاحمت هذه الافكار الوافدة من الخارج , ووجدت لها مكانا في المجتمع.
الان نعود الى الجوانب الفكرية الاسلامية . من الاولى العقيدة الدينية ام الوطن.؟
الجواب على هذا السؤال يستوجب استقراء تاريخ الصراع السياسي في المحيط العراقي ومدى تأثيره على توجهات العراقيين والعرب .وسأذكر راي الطائفة الشيعية من خلال خطبة وكلاء المرجعية في كربلاء , التي وضحت العلاقة الملتبسة بين الدين والوطن .. لما يتساءل الناس (أيهما الاولى بالانتماء: المذهب الديني أم الشعور الوطني؟) مع أهمية كلا الأمرين لدى المتدين . لنرى راي للمرجعية في الموضوع .
هل يكون الولاء الديني عابرا لحدود الوطن .؟ او العكس بحيث يستلزم ان يكون الوطن دينيا ليكون له الولاء ..؟ او ان الظروف وتعدد القوميات والاديان في الوطن الواحد يستوجب ان يكون الولاء للقانون الذي يضمن حق المواطنة وحق ممارسة الدين والشعائر , بما يعني السيادة القانونية على الاديان والانسان والاوطان .
جاء في خطبة المرجعية التي نشرتها صحيفة المدى يوم 10/1/2020 ما يلي ( أن يكون العراق سيد نفسه يحكمه أبناؤه ولا دور للغرباء في قراراته، يستند الحكم فيه إلى إرادة الشعب ويكون حكماً رشيداً يعمل لخدمة المواطنين على اختلاف انتماءاتهم القومية والدينية.) هذا يعني أن المرجعية تدين أي خلط عقائدي سببه الدين السياسي، والايدلوجيا المستوردة من خارج الحدود. وان يكون ضمانة حقوق واحترام بين الاديان بوصفها دالة دينية اجتماعية لا دينية سياسية .وبين الولاء الوطني بوصفه دالة لسيادة الشعب على نفسه). فلا تناقض بين الاثنين، إذ يحق للمتدين أن يرى في دينه قيمة أخلاقية واجتماعية ونفسية عابرة للأوطان. هنا تتحقق المواطنة والانتماء للتراب والامة والطائفة باطار الاحترام المتبادل بعيدا عن الاتهام بالذيول وابناء الرفيقات وتابعي السفارات.
إن "أولوية الأوطان على الأديان "آو العكس دون تفريط بأي منهما، تعدّ من الفتاوى المهمة سواء صدرت من المرجعية كونها تبين حقيقة الفكر الديني المنتمي للأرض والوطن والسماء , بلا مزايدات واتهامات وشعارات جوفاء.