من الأمور التي نهى عنها الشرع الحنيف واعتبرها من افعال الجاهلية هي (التفاخر في الانساب والطعن فيها) ، فما جعل الله الأنساب إلا للتعارف بين الناس ، وتمييز العلائق الانسانية لغرض المناكح والمواريث والاحكام الشرعية ، أما أصل التقييم في نظر صاحب الشريعة فهو التقوى ، فقد قال تعالى (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم) ، وهذا ما دأب عليه الانبياء وأوصيائهم في اعتماد التقوى في تقييم الناس ، كما نسب إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) القول :
لعمرك ما الإنسان إلا بدينه
فلا تترك التقوى اتكالا على النسب
لقد رفع الإسلام سلمان فارس
وقد وضع الشرك الشريف أبا لهب
فصار (سلمان منا أهل البيت) وهو فارسي أعجمي ، و(تبت يدا أبي لهب وتب) وهو عم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من بني هاشم ،
وقد اعتبر العلماء المتقدمون الطعن في الانساب خلاف الورع والتدين قال ابن عنبه في عمدة الطالب ص202 ، في معرض كلامه عن عقب إسماعيل بن إبراهيم المرتضى بن الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) : (قال أبو عبد الله ابن طباطبا أعقب إبراهيم المرتضى من ثلاثة موسى وجعفر وإسماعيل ، ثم قال العقب من أسماعيل بن إبراهيم بن الكاظم (عليه السلام) في رجل واحد وهو محمد ومنه في جماعة ، قال شيخ الشرف ذكر البخاري أنهم انقرضوا قال ابن طباطبا : وهذا تسامح في القول وإطلاق للقول – أي الطعن- بما يوجب الإثم ويخرج عن الدين ) ، وتكلم عن النسابة صاحب ديوان النسب في ص 206، وهو علي بن الحسن الرضي بن محمد بن علي بن محمد بن علي (الشريف المرتضى) ، قال : (أطلق قلمه ووضع لسانه حيث شاء ، كما طعن في آل أبي زيد العبيدليين نقباء الموصل ، وهو شيء تفرد به لم يذكره سواه من النسابين ، وحدثني الشيخ النقيب تاج الدين محمد بن معية الحسني قال : قال لي الشيخ علم الدين المرتضى علي بن عبد الحميد بن فخار الموسوي أنه تفرد بالطعن في نيف وسبعين بيتا من بيوت العلويين لم يوافقه على ذلك أحد ) ، وهكذا نرى ورع المتقدمين عن الطعن في أنساب العلويين وتحرجهم من هذا الفعل الذي يراه اليوم بعض المشتغلين بالأنساب علما وتحقيقا ، متناسين وصية أساتذة هذا الفن الشريف بأن قوامه وأول أسسه هو الورع واحترام أراء الآخرين وعدم التشهير بالناس بحجة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وداعي العلم ، ولا زلت أذكر وصية استاذي العلامة الدكتور حسين علي محفوظ (رحمه الله) وهو يوصيني أن أكون بارا بعملي في الصحافة والانساب ، وقد كنت أدون ما يمليه علي من وصايا ومن بينها (أوصي النسابة والمشتغلين بالأنساب بمخافة الله وخشيته وتقواه ، وأن النسابة على شفا جرف هار ، بل على شفا حفرة من النار ، وأن لا تغره الدنيا ولا المال ، فكل ما في الدنيا هباء منثور ، وأن يستحي من الله حق الحياء) ، وهنا أسرة تحرير مجلة براعم المعرفة الثقافية المستقلة تجدد الدعوة إلى المهتمين بالأنساب والمدّعين بأنهم علماء في الأنساب العربية ، أن يتقوا الله ويخشوه في الانساب أنه شديد العقاب ، وخصوصا رحم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فإن من قطعها قطعه الله تعالى ومن صانها صانه الله تعالى .