توطئة / " لكل فعلٍ ردة فعلٍ تساويه بالمقدار وتعاكسهُ بالأتجاه " أنه قانون فيزيائي سوف أستعيرهُ بموضوعية لوصف السلوك الأجتماعي والسياسي للفرد العراقي .
هناك سؤال يفرض نفسهُ عن مدى مصداقية الفرد العراقي في الولاء ، حينها راجعت مدونات علم الأجتماع السوسيولوجي والسايكولوجي رست قناعتي في الأستعانة بمنجزات الدكتور علي الوردي عالم أجتماع عراقي ومؤرخ عُرف بأعتدالهِ وموضوعيته وأسلوبهُ السلس ، تشعر أثناء القراءة في بحوثهِ أنهُ يتحدث معك أكثر من كونه يكتب لك ، في كتاباته حرارة وصدق وواقعية وعفوية وبساطة ، مع الوردي يمكننا أن ننظر بعيني زرقاء اليمامة الثاقبة إلى حقيقة المجتمع العراقي بدون أقنعة بعيداً عن المزايدات الزائفة والمتهافتة والعادات البغيضة والآيديولوجيات الغيبية الوهمية الغير خاضعة للواقعية الملموسة أضافة إلى أن لديه أكثر من 150 بحثا في هذا المجال وخصوصاً كتابهُ " دراسة في طبيعة المجتمع العراقي " وسوف أركز على طبيعة المجتمع العراقي بكل أيجابياته وسلبياته وتباين طبقاته وبالأخص البدو ومدى تأثيرهم في المجتمع العراقي وما سببه من آثارأستمرت مدى أجيال وأمتزاج الحضارة مع مجتمع البداوة وظهور الصراعات لعشرات العقود وبالتالي الأمتزاج معها بصراع طبقي يشمل مناطق الوسط والجنوب بدون كردستان لأن لها حكاية أخرى لأختلافها جيمورفولوجيا عن باقي مناطق العراق .
فهي محاولة متواضعة في تفسيربعض الظواهر الأجتماعية في المجتمع العراقي على ضوء ثلاث فرضيات : أزدواج الشخصية وصراع البداوة والحضارة والتناشز الأجتماعي ، تلك هي حفريات الدكتور علي الوردي في الشخصية العراقية ، والتي هي بمثابتة دراسة مقارنة لطبيعة المجتمع العراقي وبناه الظاهرة والمخبأة وصراحة أستطاع العلامة الوردي أن يصوغ مفاهيم أجتماعية توقف عندها الزمن وشغلت الذين جاءوا بعده لآنها كانت ولا زالت بمثابتة الشرارة التي فتحت نيران الأسئلة حول بصمات طبيعة الشخصية العراقية.
أن ما تعرض لهُ المجتمع العراقي عبر تأريخه المئوي منذ تأسيس حكومته الوطنية في 1921 الكثير من المطبات والكوارث الطبيعية والأجتماعية والأنظمة الشمولية وفيضانات مدمرة والطاعون تتمثل بأفعال فيزياوية تتقارب من صدمات كهربائية هزت كيان الفرد العراقي وحفرت شقوقاً في اللاوعي وعملت على صياغة شخصية الفرد العراقي الذي يصفهُ علي الوردي في كتابه الموسوم " دراسة في طبيعة المجتمع العراقي " يقول : { لقد أجمع علماء الآثار أن وادي الرافدين كان مهبط حضارة تعد من أقدم الحضارات في العالم ، وقد شاركهُ بهذه الميزة " مصر " وقد أختلف بعض العلماء حول أيهما أسبق حضارة من الآخر ، ليس هذا المهم أنما ما يهم هو معرفة أن العراق أحتضن منذ بداية التأريخ البشري حضارة مزدهرة ، وأزدهرت في العهد العباسي حتى صارت بغداد العاصمة بودقة أجتماعية ضخمة تذوب فيها خلاصة ما أبدعهُ البشر من تراث حضاري }أنتهى .
لقد شخصتُ بعض من العادات السيئة المستلبة في شخصية المجتمع العراقي كردود أفعال جراء مؤثرات عنف الطبيعة والغزوات والأوبئة والفيضانات والمجاعات والنظم الشمولية ، وكذلك أن أبرز الأفعال المؤثرة في طبيعة شخصية الفرد العراقي هي الحقبة ( العثمانية ) خلال أربعة قرون الأخيرة مما جعل جغرافية أرض الرافدين منطقة صراع بين الفرس والأتراك لأستغلال مواردها الطبيعية ، والنزوحات البدوية والأنقلابات العسكرية المتكررة ، والأحتلال الأمريكي في 2003 والتعسف الأرهابي الداعشي والأنفلات الأمني وأستقواء الميليشيات وغياب القانون كل هذا الكم الكارثي المستلب كانت مخرجاتها هذه الحفريات العميقة في شخصنة الفرد العراقي :
أن تقارب الجسور الجغرافية لوادي الرافدين من الجزيرة العربية وصحرائها السالبة كانت قد دفعت بموجات بدوية الواحدة تلو الأخرى عن طريق الفتوحات أو عن طريق التسلسل التأريخي ، لابد من هذه الموجات لها وقعٌ كبير كفعل فيزياوي مؤثر لوقوع الشعب العراقي بين نظامين متناقضين من القيم الأجتماعية :نظام- قيم البداوة الأتية اليه من الصحراء المجاورة وتلك البداوة ونزوعها إلى الحرب بروح قبلية بالأستقواء بمفاهيم القوة والعزة وعشق الحرية والمثل الثقافية البدوية مثل الأجارة والغيرة وقيم الضيافة وأيواء الطريد ، ونظام - قيم الحضارة المنبعثة من تراثه الحضاري القديم ، فكان ردة الفعل : أن يعاني الفرد العراقي صراعاً أجتماعياً وثقافياً على توالي الأجيال فهو من ناحية لا يستطيع أن يطمئن إلى قيمه الحضارية زمناً طويلاً ولا يستطيع أن يكون بدوياً لأمتلاكه وفرة المياه وخصوبة تربة الرافدين تضطرهُ إلى تغيير القيم البدوية الوافدة أليه لكي يجعلها ملائمة لظروفه الخاصة فقد أنفتح أمامه طريقان متعاكسان فهو يضطر أن يسير فيهما في آنٍ واحد ، فهي :-
-( الأزدواجية ) في شخصية الفرد العراقي كردة فعل ، يقول الوردي في هذا الموضوع : ( العربي بدوي في عقله الباطن مسلم في عقله الظاهر ) ، ومن الأفعال التي صدمت الفرد العراقي عبر أربعة قرون من الصراع العثماني العربي وأبتلاء المجتمع العراقي بكثير من التناقضات والرؤى المتقاطعة في مختلف المساءل الفقهية والفلسفية والسياسية والثقافية وكانت ردة الفعل أن يقع الفرد العراقي ضحية هذا الصراع وأكتفى أن يتقمص بعضاً مما أستجد من أفكار ورؤى وسعى أن يكون جزءاً منها بدون أن ينزع جلباب العشيرة والطائفة والمنطقة ويتخلص من دائرتها الضيقة ينطبق عليه قول نزار قباني : ( لبسنا ثوب الحضارة والروح جاهلية ) ، والحصيلة الحداثوية اليوم أن الفرد العراقي تغيّر سريعاً في الجوانب المادية ولكنهُ تغيّر ببطء في الجوانب الثقافية والقيمية .
- التناشز الأجتماعي الذي يميّز المجتمع العراقي والذي هو التفاوت في التغيير الأجتماعي وهو مولد للمشاكل الأجتماعية من أبرزها ظهور أزدواج الشخصية ، ويؤثر سلباً على البنى الفكرية للأفراد ويغلق منافذ الوعي والتفتح الثقافي لتلوث اللاوعي في الذات البشرية بالرواسب القبلية والعادات العشائرية التي هي وريثة البداوة الصحراوية ، ويقول الوردي في في كتابه ( دراسة في طبيعة المجتمع العراقي ) : سيبقى التناشز الأجتماعي شاخصاً في حاضرنا ويخترق هيكليتنا الأجتماعية دون النظر في التغيير .
-الصراعات الدائمة والمتوارثة في المجتمع العراقي كصراع العشائر مع بعضها وصراع الحكومات ضد العشائر ، وصراع الحضر البداوة وتعبير أدق صراع المدن مع الأرياف .
- ظاهرة التديّن في التشيع والتسنن والتصوف .
- الأزدواجية الشخصية في المناطق الحضرية .
- ظهور نخبة النفاق الأجتماعي المتمثلة بوعاظ السلاطين التي ظهرت جلياً منذ العهد العباسي وتمحورت بشكل طبقة واضحة مع العصرنة الحالية .
- أجمع علماء الأجتماع أن في صفات (البعض) من الشخصنة العراقية الغوغاء واللصوصية ونزعات جرمية وتخريبية .
- والبعض من المجتمع العراقي سماع للسوء ميال للفوضى .
- أن الشعب العراقي اليوم منشق على نفسه وفيه من الصراع القبلي والطائفي والقومي أكثر من أي شعب عربي .
- أهتزاز المنظومة الأخلاقية للمجتمع العراقي في العهد الأمريكي