الإسلام والمسلمون والمسيح الجزء الثاني والأخير /مير عقراوي

الاربعاء - 29/01/2020 - 19:56


غير الله سبحانه لا يُعبدُ إطلاقاً : يقول [ سر سبيندار السندي ! ] بأنهم يعبدون المسيح عيسى ، وهذا تناقض مباشر وصريح مع سيرة المسيح وشخصيته الواردة حتى في مختلف الأناجيل ، حيث أوردنا في الجزء الماضي أقوالاً متعددة من الأناجيل نفسها حول بشرية المسيح ، وحول عبادة المسيح لله تعالى مثل الصلاة والصوم وقيام الليل والدعاء له سبحانه إذن ، كيف يكون البشر المخلوق العابد لله عزوجل ربه ، وهو عيسى المسيح معبوداً ما لكم لا تفقهون ..؟
في قولٍ للمسيح إنه نفى عن نفسه حتى لفظ الصالح مقارنة بالله الخالق سبحانه المطلق ، فيقول : [ وبينما هو خارج الى الطريق ، أسرع اليه رجل فجثا له وسأله : أيها المعلم الصالح ، ماذا أعمل لأرث الحياة الأبدية ؟ ، فقال له يسوع : لِمَ تدعوني صالحاً ، لا صالح إلاّ الله وحده ؟ ] يُنظر كتاب ( جمعيات الكتاب المقدس في المشرق ) ، بيروت / لبنان ، دار المشرق ش ، م . م بيروت / لبنان ، المكتبة الشرقية ، بيروت لبنان ، ط 6 ، 1988 ، كتاب ( إنجيل مرقس ) ص 158 
عليه غير الله تبارك وتعالى لا يُعبدُ على الإطلاق ولا يستحق العبادة ، وبالمطلق المطلق سواءً كان بشراً ، أو غيرهم ، لأنهم مخلوقون ونسبيون ومحدودون ومتغيِّرون ومأطَّرون وفانون في نهاية الأمر والمطاف ، فالذي ينبغي أن يُعبدَ ويستحق العبادة هو الله سبحانه الخالق للبشر والكون والأكوان وسائر المخلوقات التي لا تُعدُّ ولا تُحصى . فالله سبحانه وحده الذي هو ما فوق النسبية والحد والحدود والمحدودية والتغيُّر والأُطُر والفناء ، بل هو جَلَّ في عُلاه خالقها وموجدها كلها التي نعلم والتي لا نعلم . 
إستناداً لِمَا ورد نتساءل : هل للمسيح أو غيره أيضاً خاصية واحدة ، أو صفة واحدة من الخصائص والصفات المطلقة المذكورة له ...؟ ، والجواب هو بالنفي القاطع المطلق ، فعيسى المسيح كان يأكل ويشرب ، كان يمشي ويتعب ، كان يفرح ويحزن ، كان يجوع ويشبع ، كان ينام ويصحو ، كان يمرض ويتعافى ، يضحك ويبكي ، كان يتألم من الوجع كأيِّ بشر آخر ، وهذه كلها من الصفات البشرية موجودة في المسيح وتجري عليه ، حيث هي مبثوثة ومسطورة في مختلف الأناجيل ، منها إن المسيح كان يجهل الغيب وساعة القيامة ، وقال في هذا الصدد : [ وأما ذلك اليوم أو تلك الساعة فما من أحد يعلمها : لا الملائكة في السماء ، ولا الإبن ، إلاّ الآب ] ، أي الله سبحانه رب السماوات والأرض ومن فيهن ، فهو وحده فقط عنده علم الساعة والغيب بشكل عام ، يُنظر المصدر المذكور والجمعيات ودار النشر والمكتبة والمكان والزمان والطبعة ، كتاب ( إنجيل مرقس ) ، ص 167 . لهذا كان عيسى المسيح كسائر الأنبياء والمرسلين كثير الحمد والشكر لله ربه سبحانه كما نقرأُ قوله : [ أحمدك يا أبتِ ، رَبَّ السماء والأرض ] ، يُنظر المصدر المذكور والجمعيات ودار النشر والمكتبة والمكان والزمان والطبعة ، كتاب ( إنجيل لوقا ] ، ص 228 ، يُنظر . وعن الأكل والشرب للمسيح كأيِّ كائن بشري آخر ، يقول الإنجيل عن عيسى المسيح : [ جاء آبن الإنسان يأكل ويشرب ] يُنظر المصدر المذكور والجمعيات والمكتبة ودار النشر والمكان والزمان والطبعة ، كتاب ( إنجيل متّى ) ، ص 67 ، وجاء في موضوع آخر ، في كتاب ( إنجيل متى ) : [ ولما خرجوا في الغد من بيت عَنْيا أحسَّ بالجوع ] ، أي إن المسيح عيسى يومها أحس بالجوع . يُنظر المصدر المذكور والجمعيات ودار النشر والمكتبة والمكان والزمان والطبعة ، كتاب ( إنجيل مرقس ) ، ص 161 
فعلى رغم مايحتويه مختلف الأناجيل من أقوال لعيسى المسيح وأمثلة كثيرة دامغة حول بشريته ، حيث أوردنا أمثلة من مختلف الأناجيل في هذا الجزء من مبحثنا والجزء الذي سبقه أيضاً تسائل المدعو صاحب الإسم المستعار [ سر سبيندار السندي ! ] قائلا في مقالته : ( فهل قال السيد المسيح لأتباعه وحوارِيِّيه ولحاخامات اليهود ,, ما أنا إلاّ بشر مثلكم ,, ) ؟ . يُنظر مقالة ( عجيب حقا رعب المسلمين .. من مسيح ورب المسيحيين ) المنشور في موقع شبكة ( صوت كوردستان ) . بالحقيقة ذلك لا يدل إلاّ على ولعه بالكذب وآفتراءه على المسيح ومختلف الأناجيل ، ثم الكذب على القراء ومناقضة الحقيقة والأمانة العلمية .
المسيح وعبادته لله خالقه : لقد وردت عبارات وأقوال متعددة لعيسى آبن مريم في مختلف الأناجيل المسيحية بأنه كان يعبد الله تعالى كثيراً ، وإنه كان يُصلِّي كثيراً ، وإنه كان صوَّاماً مُزكِّياً وقوَّام الليل في العبادة والذِكْر والرجاء والدعاء والتضرُّع والتسبيح لله عزوجل ، وفيما يلي نورد أمثلة : 
1-/ [ ثم سار الروح بيسوع الى البرية ليُجرِّبه إبليس ، فصام أربعين يوماً وأربعين ليلة حتى جاع ] يُنظر كتاب ( الكتاب المقدس ) ، جمعيات الكتاب المقدس في المشرق ، بيروت / لبنان ، دار المشرق ش . م . م ، بيروت / لبنان ، المكتبة الشرقية ، بيروت / لبنان ، ط 6 / 1988 ، كتاب ( إنجيل متى ) ، ص 43 
2-/ [ أحمدكَ يا أبتِ ، رَبَّ السماواتِ والأرضِ ] يُنظر المصدر المذكور والجمعيات ودار المشرق والمكتبة والمكان والزمان والطبعة والإنجيل ، ص 68 
3-/ [ وأما الله فإنه على كل شيءٍ قدير ] ينظر المصدر المذكور والجمعيات ودار النشر والمكتبة والزمان والمكان والطبعة والإنجيل ، ص 91 
4-/ [ ثم جاء يسوع معهم الى ضَيْعة يُقال لها جتسمانية ، فقال للتلاميذ : أُمكثوا هنا ، ريثما أمضي وأُصلِّي هناك ] يُنظر المصدر المذكور والجمعيات ودار النشر والمكتبة والزمان والمكان والطبعة والإنجيل ، ص 111 
5-/ قال عيسى المسيح بن مريم : [ للربِّ إلهك تسجد وإيَّاهُ وحدهُ تعبُدُ ] يُنظر المصدر المذكور والجمعيات ودار النشر والمكتبة والمكان والزمان ، كتاب ( إنجيل لوقا ) ، ص 202 
6-/ [ وفي تلك الأيام ذهب الى الجبل < أي عيسى المسيح . م ع > لِيُصلِّي ، فأحيا الليل كله في الصلاة لله ] يُنظر المصدر المذكور والجمعيات ودار النشر والمكتبة والمكان والزمان والطبعة والإنجيل ، ص 208 
حول معجزات عيسى المسيح : لا شك فيه لقد كان لعبدالله تعالى ونبيه عيسى المسيح معجزات خارقات متعددة ومختلفة ، وكانت تلكم المعجزات للمسيح إلهية المصدر والمنشأ والإذن والإرادة والقوة ، ولم ينفرد المسيح بالمعجزات ، بل إن جميع الأنبياء كانت لهم المعجزات الخارقات الباهرات ، وكانت كلها بمشيئة الله وإرادته وقدرته وقوته سبحانه وتعالى ، ولو صَحَّ بالمعجزات تأليهُ نبيٍّ لأضحى جميع الأنبياء آلهة كثيرة ، وذاك ما يزعمونه ويتقوَّلونه ، قولٌ سخيفٌ يتصادم مع العقل السليم والمنطق السديد ، لأنه أنَّى لعباد مخلوقين وضعفاء ، في مقدمتهم عيسى المسيح أن يأتوا بربع معجزة ، بل أقل لولا رعاية الله تعالى وعنايته وإذنه ومشيئته الخارقة وقوته المطلقة التي تقول للشيء { كن فيكون } 
بالأناجيل : المسيحُ يُقِرُّ بأنه لا يتمكن فعل شيءٍ من عنده ! :
لقد آعترف عبدالله ونبيه عيسى المسيح بأنه لا يستطيعُ أن يفعل شيئاً من عنده ، أي بذاته شخصياً لا يتمكن من فعل أمرٍ معجزٍ باهرٍ خارق إلاّ بإذن الله عزوجل ، وبمشيئته وعنايته وقوته سبحانه ، يقول المسيح في هذا الصدد : [ الحق الحق أقول لكم : لا يستطيع الإبن أن يفعل شيئاً من عنده ] ، ويكرر المسيح عجزه بأنه لا يستطيع أن يفعل شيئاً من عنده ، فيقول : [ أنا لا أستطيع أن أفعل شيئاً من عندي ] يُنظر كتاب ( الكتاب المقدس ) ، جمعيات الكتاب المقدس في المشرق ، بيروت / لبنان ، دار المشرق ش . م . م ، بيروت / لبنان ، المكتبة الشرقية ، بيروت / لبنان ، ط 6 عام 1988 ، كتاب ( إنجيل يوحنا ، ص 302 و 303
إن عيسى المسيح كما غيره من أنبياء الله تعالى يعملون ضمن أوامر الله وتعاليمه ووحيه ومشيئته ، في هذا الأمر يقول المسيح : [ طعامي أن أعمل بمشيئة الذي أرسلني وأن أُتِمَّ عمله ] يُنظر المصدر المذكور والجمعيات ودار النشر والمكتبة والمكان والزمان والطبعة والإنجيل ، ص 300 . هكذا نجد يتكرر قول عيسى المسيح في مختلف الأناجيل بأنه إنسانٌ مخلوقٌ ، وإنه نبيٌ مرسلٌ ، وإنه لا يتمكن فعل أيَّ شيءٍ من عنده إلاّ بإذن وأمر ومشيئة الله تعالى الذي أرسله نبياً وهادياً الى بني إسرائيل فقط ، أي إن رسالة عيسى المسيح ونبوته كانت محصورة لبني إسرائيل وحدهم دون سواهم ، يقول المسيح في هذا الصدد : [ لم أُرْسَلْ إلاّ الى الخِراف الضالَّة من بيت إسرائيل ] يُنظر المصدر المذكور والجمعيات ودار النشر والمكتبة والمكان والزمان والطبعة ، كتاب ( إنجيل متى ) ، ص 80 
حول الدَيَّان ليوم القيامة والمهدي : لا ديان ليوم القيامة أحداً على الإطلاق ؛ لا عيسى المسيح ولا غيره من الأنبياء أبداً ، فديان يوم القيامة هو الله عزوجل ، حيث هو سبحانه يقضي ويفصل بالحق والعدل بين الناس جميعاً فيما كانوا يختلفون عليه في الدنيا ، لأن الله تعالى هو الحَكَمُ والحاكم المطلق ، وهو العادل المطلق ، لذا فتلكم الدينونة العظمى والمحكمة الكبرى خارجة من صلاحية وكفاءة عيسى المسيح ، أو غيره جميعاً من إخوانه الأنبياء والرسل . أما نزول عيسى المسيح وظهور المهدي في زمن من الأزمنة كما يقولون بحسب آثار وقصص تاريخية غير متواترة ، فذلك لا يتفق مع القرآن الكريم ومقاصده وأبعاده وحسب ، بل يتناقض معه ، كل التناقض .