رؤيا السيستاني في.. ولاية الامة على نفسها/ عمار العامري

الخميس - 12/12/2019 - 13:54

بعد رحيل المرجع الاعلى الإمام الخوئي عام 1992، والمرجع السيد السبزواري عام 1993، برزت مرجعية السيد السيستاني كأحد مراجع التقليد لدى الشيعة الإمامية، مع وجود عدد من المراجع الثقات الاخرين.
إن الفترة (1994-2002) لم تشهد طرحاً لرؤيا السيد السيستاني السياسية، بما يتعلق في نظرية السلطة والحكم وادارة الدولة، لكن ربيع عام 2003 كان نقطة تحول في المشهد السياسي العراقي، بعد تغير النظام السابق في بغداد، وطرح الحاكم المدني في العراق فكرة تشكيل مجلس يتم اختيار اعضاءه بالتعيين من قبله، ومشاورة القوى السياسية بصفة خبراء بالقانون والسياسة لصياغة مشروع الدستور الجديد، ثم تطرح المسودة للاستفتاء الشعبي.
رفض السيد السيستاني المشروع الامريكي، قائلاً: (لابد أولاً اجراء انتخابات عامة، لكي يختار كل عراقي مؤهل للانتخابات من يمثله في مجلس تأسيسي لكتابة الدستور، ثم يجري التصويت العام على الدستور).
لأنه يرى لابد أن يكون الرأي للشعب العراقي في تحديد مستقبله، فأخذ يتواصل بشكل مباشر مع بعض رجالات الحكم، من اجل وضع مرتكزات النظام السياسي الجديد وأسس ومنطلقات قيام الدولة، واهمها دراسة (مبدأ الشورى والتعددية، والتداول السلمي للسلطة)، وايجاد نظام (يحترم اغلبية الشعب العراقي من المسلمين، وحماية حقوق الاقليات، وضمان مبدأ العدالة والمساواة في الحقوق والواجبات) بين ابناء البلد الواحد.
ودعا الى اختيار مجلس منتخب من قبل الشعب في خطوة استراتيجية، تمهد الى إن تكون صيرورة القرار الوطني بيد العراقيين انفسهم، وعبر عن ذلك بقوله: (شكل العراق الجديد يحدده الشعب العراقي بجميع قومياته ومذاهبه، وإلية ذلك هي الانتخابات الحرة المباشرة).
جسد المرجع السيستاني بذلك نظرية (ولاية الامة على نفسها)، كأساس فقهي يعتمد النظرية الانسب للسلطة في العراق، وفقاً للأوضاع السياسية والاجتماعية والتوجهات الفكرية والثقافية، وما تقرره صناديق الاقتراع هو الفيصل.
مواظباً قبيل كل ممارسة انتخابية، ومن اجل تنضيج الحالة الديمقراطية، وتعزيز الانتقال السلمي للسلطة، ومنعاً لمصادرة إرادة العراقيين، اذ يؤكد دائماً على ايجاد: (قانون عادل للانتخابات، ومجلس من الاكفاء لإدارة الانتخابات)، وتوفر صفات في المرشحين أهمها: (الكفاءة والنزاهة والاخلاص للوطن).
وايضاً تبنى فكرة (الدولة المدنية) وليس (الدولة الاسلامية) في العراق، قائلاً: (واما تشكيل حكومة دينية على اساس ولاية الفقيه المطلقة فليس وارداً مطلقاً) رافضاً بالمطلق تصورات البعض إن الرجوع في الاستشارة والاستنارة الى المرجعية، يعنى بها إن القرار يصدر منها!! انما المرجعية العليا تقدم قراءات موضوعية للواقع، وفقاً للمباني الشرعية التي تصب في مصلحة الامة.
وبخصوص مشاركة رجال الدين في الوضع السياسي، يرى السيد السيستاني أن: (لا يصح أن يُزج رجال الدين في الجوانب الادارية والتنفيذية، انما ينبغي إن يقتصر دورهم على التوجيه والارشاد والاشراف)، وهذا يدل إنه لا يرغب أن تصدى (رجال دين) للأمور التي تدخل في التنفيذ والاجراءات الحكومية، لان سلبيات ذلك تنعكس على الحالة الدينية بكل ابعادها.
وبذلك؛ اختلف السيد السيستاني عن بقية مراجع الدين في النجف، الذين تبنوا لنظريات (الشورى، وولاية الفقيه، والولاية الخاصة) في السلطة، كون دراسته العميقة في الشأن العراقي، ونظرته التاريخية والاستشرافية، جعلته يتبنى نظرية (ولاية الامة على نفسها) مع بقاء المرجع الديني في موقع الموجه والناصح للجميع.