الامام الحسن العسكري.. التصدي للضلال والظلم وإعداد الأمة لعصر الغيبة / بقلم - جميل ظاهري

الاربعاء - 13/11/2019 - 22:24

عاش الامام الحسن بن علي العسكري عليهما السلام حياة مليئة بالظلم والاضطهاد والمضايقة على يد حكام بني العباس طيلة حياته الشريفة القصيرة بين اقامة جبرية أو حبس إن كان على عهد والده الامام علي الهادي عليه السلام أو خلال فترة إمامته التي لم تصل الى فترة ست سنوات.
عاصر الامام العسكري عليه السلام خلال عمره القصير الذي لم يتجاوز الـ(28) عاماً، أكثر قساة حكام بني العباس وتعرض أكثر من آبائه عليهم السلام للأذى فأنهم كانوا يتخوفون منه (ع) ومما بلغهم من كونه والد الامام الحجة المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، لذا عمدوا على حبسه (ع) عدة مرات وحاولوا قتله فكان ينجو من محاولاتهم، وهم المعتز بن المتوكل، وبعده المهتدي بن الواثق، ثم المعتمد احمد بن المتوكل الذي حكم ثلاثاً وعشرين سنة ، وكانت شهادة الامام (ع) في أوائل حكم هذا الطاغية اللعين.
وتعرض الامام العسكري (ع) فضلاً عما أصابه من العباسيين، الطامعين من الحاسدين وكان من أبرزهم أخوه جعفر أبن الامام الهادي (ع) الذي أطلق عليه فيما بعد لقب "جعفر الكذاب" والذي كان على إتصال بخلفاء بني العباس وكان يتجسس على الامام الحسن (ع) وعائلته الشريفة بحثاً مع حكام الجور والطغيان عن منقذ البشرية وقائمها (ع) لكن دون جدوى.
الامام العسكري (ع) ورغم مدة إمامته القصيرة، تصدى وبكل قوة كما فعل آباؤه الأطهار(عليهم السلام) بإعتبارهم حماة الرسالة والعقيدة الاسلامية، بمهمة التصدي للفرق الضالة في عصره الشريف ومنها فرقة "الثنوية" (وهم من أثبت مع القديم قديماً غيره، ويثبتون مع مبدأ الخير مبدءاً للشر وهما النور والظلمة)، وكذلك فرقة "الصوفية" والذي وصفهم عليه السلام في حديثه لأبي هاشم الجعفري والذي سيأتي في آخر المقال، وأوضح للأمة فساد معتقدات هاتين الفرقتين الضالتين من خلال بيانه لآرائهما وأساليبهما في التعامل وعلاقاتهما مع الناس.
كما واجه الامام العسكري (ع) حركة أكثر خطورة في حياته وهي "حركة التنصير" التي آل اليها الكثير من المسلمين لما رأوه من خداع "جاثليق" زمانهم وهو يمطر السماء بدعواته اثر الجفاف الذي حل بمدينة سامراء آنذاك وهي قصة سنذكرها في مقال بذكرى ميلاد الامام الحسن العسكري (ع) الاغر.
كان لا بد للامام العسكري (ع) أن يواصل نهج آبائه الائمة الميامين (ع) في هداية وتوعية وتنوير أفكار المسلمين خاصة شيعة أهل البيت (ع) الذين يمثّلون الجماعة الصالحة في المجتمع الاسلامي، حيث انتهج طريق الكتمان والحذر في التواصل معهم فيما عمل على تمهيدهم لقضية الامام المهدي (ع) وإعدادهم لعصر الغيبة وسلك طريق الوصل مع الشيعة عبر الوكلاء والاعداد لمدرسة الفقهاء وقيادة العلماء الصالحين للأمة في عصر الغيبة باعتبارهم الامناء على العباد متمسكين بنهجه الشريف (ع) في مقارعة الفرق الضالة والمنحرفة وإرشاداته وتوصيات آبائه الكرام عليهم السلام نحو طريق الصواب والحق، وهو ما ذكرته كتب كثيرة منها.."الكامل في التاريخ" و"مروج الذهب" و"الكامل لابن الأثير" و"تاريخ الطبري" و"الحضارة الاسلامية" و"تجارب الاُمم لمسكويه" و" الخرائج والجرائح" وغيرها.
تروي الكثير من الكتب الموثقة منها "المناقب" و"مجمع البحرين" و"الكافي" و"كشف الغمة" و"حديقة الشيعة" و"بحار الأنوار" وغيرها بأن "المعتمد العباسي" حاول أكثر من مرة قتل أو اغتيال الامام الحسن العسكري (ع) لكنه لم يفلح حتى تمكن من دس السم اليه (ع) في السنة الخامسة من حكمه ، وقد سُقيَ (ع) ذلك السم في أول شهر ربيع الأول سنة 260 للهجرة ، وظل الامام العسكري (ع) سبعة أيام يعالج حرارة السم ، حتى استشهد في يوم الجمعة الثامن من شهر ربيع الأول ذاته وانتقل إلى جوار ربه في سامراء. 
لما استشهد الامام العسكري (ع) ضجت لفقدانه "سر من رأى" ضجة عظيمة وحمل أهلها النعش الطاهر بتجليل واهتمام بالغين ، فأراد "جعفر الكذاب" أن يصلي عليه لكن ثأر الله الموعود الامام الحجة (ع) ذا الطلعة البهية (ع) هو الذي صلى وجهز ودفن والده الامام الحسن العسكري (ع) في داره مع أبيه الامام الهادي (ع).
وخير ما نختتم به مقالنا هذا هو حديث الامام الحسن العسكري عليه السلام مع أبي هاشم الجعفري، حيث قال (ع) : "ياأبا هاشم : سيأتي زمان على الناس وجوههم ضاحكة ، مستبشرة ، وقلوبهم مظلمة منكدرة ، السُّنة فيهم بدعة ، والبدعة فيهم سُنّة ، المؤمن بينهم محقَّر والفاسق بينهم موقَّر ، اُمراؤهم جاهلون جائرون ، وعلماؤهم في أبواب الظلمة سائرون ، أغنياؤهم يسرقون زاد الفقراء ، وأصاغرهم يتقدّمون على الكبراء ، وكل جاهل عندهم خبير وكل محيل عندهم فقير ; لا يتميزون بين المخلص والمرتاب ، ولا يعرفون الضأن من الذئاب ، علماؤهم شرار خلق الله على وجه الأرض ، لأنّهم يميلون إلى الفلسفة والتصوف ، وأيم الله إنّهم من أهل العدول والتحرف ، يبالغون في حبّ مخالفينا ويُضلّون شيعتنا وموالينا ، فان نالوا منصباً لم يشبعوا من الرثاء ، وإن خذِلوا عبدوا الله على الرياء ، ألا إنّهم قطّاع طريق المؤمنين والدعاة إلى نحلة الملحدين ، فمن أدركهم فليحذرهم وليصن دينه وإيمانه . ثم قال : ياأبا هاشم : هذا ما حدثني به أبي عن آبائه عن جعفر بن محمد (عليهم السلام) وهو من أسرارنا فاكتمه إلاّ عن أهله" - (حديقة الشيعة : 592 عن السيد المرتضى الرازي في كتبه: بيان الأديان وتبصرة العوام والفصول التامّة في هداية العامّة عن الشيخ المفيد مسنداً، الأنوار النعمانية: 2/293، ذرائع البيان في عوارض اللسان : 38).