يعد الدستور، وما احتواه من أحكام واحداً من أهم أسباب مشاكل البلد، إن لم يكن هو مشكلة بحد ذاته، لذلك لا يمكن تحقيق المطالب الإصلاحية الحقة التي ينادي بها العراقيون، إلا بجملة من الاجراءات ينبغي القيام بها، ويأتي هنا تعديل الدستور حالة ضرورية يفرضها واقع البلد الآن، وما يعيشه الشارع العراقي من حراك شعبي لغرض الإصلاح.
ومن يكن جاداً في عملية الإصلاح فعليه أن يلجأ إلى الوسائل الناجعة لتحقيق ذلك، ويعد السبيل الدستوري، والعملي في الوقت نفسه هو من أنجع السبل - لحل مشكلة قانونية – لكل من يبتغي ذلك الهدف فعلا، وهو تعديل الدستور.
إذن فلا بد من البرلمان إذا كان جاداً في عملية الإصلاح، وابتداءا من تعديل الدستور، عليه أن يتخذ مساراً دستورياً صحيحاً لا طريقاً أقل ما يوصف بأنه غير قانوني من جهة، وصعب التحقيق في الواقع من جهة أخرى، ذلك لأن لجوء البرلمان إلى المادة (142) لغرض تعديل الدستور، هو أمر غير مشروع.
وإذا كان المنطق يقتضي بأن يقدم كل من يرى جواز اللجوء إلى المادة (142) في تعديل الدستور الدليل على ذلك، إلا أننا سنثبت عكسه، من باب التأكيد في الرأي والحجة البالغة في أن التعديل الدستوري لا يكون إلا من خلال المادة (126)، وليس المادة (142) من الدستور، ولبيان ذلك نطرح الآتي:
1- رسم الدستور العراقي لعام 2005 طريقتين لتعديل نصوصه، إحداهما وردت في المادة (126)، وتعد هذه الطريقة الاعتيادية، والأصلية للتعديل الدستوري، زيادة على ذلك فإنها تمتاز بالديمومة والبقاء ولا يمكن الركون عنها في كل مرة لتعديل الدستور، ولا تستنفد فاعليتها بمجرد تطبيقها مرة واحدة، أما الطريقة الثانية فهي الواردة في المادة (142)، وعلى خلاف ما تقدم فهي طريقة غير اعتيادية واستثنائية، كما أنها مؤقتة نظراً للمدة الدستورية المحددة لها.
وإذا كانت الطريقة الأخيرة هي استثناء من الأصل العام فإن المنطق السليم والتفسير القويم يقتضي عدم التوسع في الاستثناء على حساب الأصل العام.
وما دامت المادة (142) استثناء من المادة (126) فإذن ينبغي عدم التوسع في ذلك، وإن قيام البرلمان باللجوء إلى الطريقة الاستثنائية لتعديل الدستور هو إجراء غير دستوري، كونه عطّل الأصل العام في تعديل الدستور من خلال توسيع الاستثناء، فالمادة (142) قد انتهت فاعليتها القانونية بعد انتهاء المدة الدستورية المحددة لها، وأصبحت مجرد نص دستوري للتاريخ - إن صح التعبير- وإن تطبيقها في غير نطاقها الزمني هو بلا شك توسع في الاستثناء على حساب الأصل العام.
2- قد يُستند في مشروعية تطبيق المادة (142) لتعديل الدستور الآن إلى ما ورد في الفقرة (خامساً) من المادة نفسها والتي تنص على (يستثنى ما ورد في هذه المادة من أحكام المادة "126" المتعلقة بتعديل الدستور إلى حين الانتهاء من البت في التعديلات المنصوص عليها في هذه المادة). كون الفقرة المذكورة قد جعلت الاستثناء سارياً إلى حين الانتهاء من البت في التعديلات، وما دامت الأخيرة لم يبت بها لحد الآن، فهذا يعني صلاحية المادة (142) لتعديل الدستور حالياً طبقاً للفقرة المذكورة.
ويعاب على هذا الرأي ادراكه جانباً من الحقيقة، وليس الحقيقة كلها، وذلك لأن نصوص الدستور تفسر بعضها بعضاً، ولا يمكن قطع الصلة بين تلك النصوص، وهو ما وقع به الرأي المتقدم، فصلاحية المادة للتعديل الدستوري ليست مطلقة، وإنما لا بد أن يكون التعديل بالصيغة، والاجراءات، والمدة التي حددها الدستور نفسه، وبالتحديد في المادة (142)، ومن أهم أحكام هذه المادة هو المدة الزمينة التي حددت للبت في التعديلات، وما دام هذه المدة قد انتهت قبل أكثر من 13 سنة، فإن ذلك كفيل بانتهاء حكم المادة (142) بأكمله، لأن اعتبار سريان المادة موقوفاً على البت في التعديلات هو أمر مشروط بمراعاة المدة التي حددها الدستور وليس خلاف ذلك.
3- إن تنظيم الوثيقة الدستورية عادة يكون وفق شكلية معينة تتمثل بتوزيع نصوص الدستور في أبواب وفصول طبقاً لمعيار موضوعي وشكلي يربط موضوعات تلك النصوص فيما بينها، ولا شك بأن هذا التبويب يأخذ بعين الاعتبار أهمية النصوص من جانب والتسلسل والتراتب الضروري في وضعها من جانب آخر.
إن الدقة في تبويب الوثيقة الدستورية والعناية بها لا يكون من باب الشكليات الزائدة، بل هو أمر لازم من باب حسن الصياغة الدستورية، كما أنه يعد لأي غرض آخر يسهم في حسن تطبيق نصوص الدستور.
وبعد هذه المقدمة البسيطة يمكن القول إن ورود المادة (126) ضمن فصل الأحكام الختامية، ومجيء المادة (142) في فصل الأحكام الانتقالية يقتضي باللجوء إلى المادة (126) لغرض تعديل الدستور في ظل انتهاء المدة الانتقالية التي حددت للمادة (142)، من دون تطبيقها في التعديل الدستوري، كون المادة الأخيرة حكم انتقالي محدد بمدة معينة انتهت، ومن ثم يجب اللجوء الآن إلى الحكم غير الانتقالي في تعديل الدستور المتمثل بالمادة (126).
4- قد يرى البعض بأن المدة الواردة في المادة (142) هي مدة تنظيمية، توجيهية وليس مدة إلزامية أو سقوط، وإذا كانت هذه المدة لغرض التنظيم والتوجيه فليس من شأن انتهائها أن يمنع جوهر المادة المتمثل بتعديل الدستور، أو بمعنى آخر إن انتهاء المدة الدستورية لا يؤثر في تطبيق المادة، لأنها من باب التوجيه والتنظيم وليس من باب الالزام.
ويمكن الرد على ذلك بأن المدد الدستورية بشكل عام هي مدد ملزمة وينبغي الأخذ بها، وإن القول بخلاف ذلك يجافي الحكمة من وضعها، وإذا كان ذلك شأن القاعدة العامة لطبيعة المدد الدستورية. فإن ذلك الأصل العام يتأكد بشكل أكبر في حالة المدد الانتقالية كما هو الحال في المادة (142)، كون هذه المادة أضيفت في اللحظات الأخيرة لمسودة الدستور، وكانت تهدف إلى جواز إعادة النظر في الدستور خلال مدة محددة تسمح لأحد مكونات الشعب العراقي بالمساهمة الفعلية في وضع الدستور، آخذين بنظر الاعتبار التوجه العام في تلك الفترة نحو إقرار مسودة الدستور، ولغرض مشاركة ذلك المكون في عملية التصويت على الدستور مع فتح المجال لهم بإبداء آرائهم بعد إقراره من خلال تلك الطريقة التي جاء بها الدستور.
ومن ذلك يتبين إن وضع هذه المدة الدستورية كان بقصد الالتزام بها من أجل حسم هذه الموضوع خلال مدة زمنية، ولا يتحقق ذلك الأمر مع اعتبار تلك المدة الدستورية هي مدة توجيهية، بل أنه يقتضي القول بإلزامية تلك المدة لا غير.