لقد كان خلاف بين علماء الشيعة والعامة وعلى مر التاريخ حول السبب في وفاة الرسول الأعظم محمد(ص) والذي كان في الثامن والعشرين من شهر صفر الخير في آخر العام العاشر الهجري وقبل بداية العام الحادي عشر الذي يصوِّر فيه المخالفون بأن وفاة نبينا الأعظم (صلَّى الله عليه وآله) كانت في العام الحادي عشر بناءً على القاعدة الخاطئة التي سنَّها لهم عمر بن الخطاب بأن بداية العام الهجري هو شهر محرَّم الحرام وليس ربيع الأول، مع العلم ان هجرة النبي الأكرم محمد(ص)كانت في اليوم الأول من ربيع الأول وقد أبات على فراشه مولانا أمير المؤمنين عليّ عليه السلام. ولو دققنا في أمر معين فنجد أن علماء العامة قد ثبتوا وأرخّوا تاريخ الولادة الميمونة للرسول ولكن لا نجد في مناسباتهم تاريخ وفاة الرسول عندهم كما هم يذكرون في ان الرسول قد توفى بعكس الكثير من علماء السنة وعلماء الشيعة كلهم يؤكدون انه استشهد بأيادي خفية وهذا ما سنلقي الضوء في مبحثنا هذا حيث الخلاف الحاصل هل أن وفاة كانت طبيعية أم قهرية أو بسبب عامل تخريبي على الشخصية الخالدة للرسول الأعظم؟
فالمشهور بين العامة والخاصة وعند كل المحققين ان وفاة الرسول محمد(ص) كان قد مات مسموماً ولكن السواد الأعظم من علماء الفريقين يجهلون التحقيق في السبب العلمي للوفاة بل هم أقرب للتقليد حالهم حال السواد العام من الناس...ولهذا فان الوفاة هي الحاصلة المحصلة بين المحققين والتي لا خلاف عليها " الخلاف وقع بمسبَب السُّم أي الداس للسمّ في دواء أو طعام تناوله النبيّ الأعظم :هل هو إمرأةٌ يهودية كما ادعى جمهور العامة على ذلك، ام أن المسبّب هو بعض أزواج النبي (صلَّى الله عليه وآله) كما هو شائع ومشهور بين محققي الأمامية القدامى والجدد، ولا عبرة بقول الشواذ منهم ممن لا تحصيل عنده....(1)"
ادلة جماعة العامة :
يستدل علماء اهل السنة والجماعة على ان المسبب لموت الرسول الاعظم محمد(ص) هو تم بدس السم على يد امرأة يهودية وبعد معركة خيبر وهو سم بطيء فلم يؤثر فيه السُّم إلاّ في السنة العاشرة للهجرة كما هو الصحيح بحسب التحقيق بأن موته صلّى الله عليه وآله وسلّم كان في السنة العاشرة، وأما المخالفون فيقولون أنَّه في الحادية عشرة للهجرة في شهر صفر، والخلاف في تحديد السنة يرجع إلى الخلاف بيننا وبينهم في مبدأ رأس السنة الهجريَّة هل هو محرَّم الحرام أو ربيع الأول...وقد اعتمدوا على دليلين لإثبات أن القاتل للرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم هما التالي:
(الدليل الأول): حيث يتجه هذا الدليل بأنه ليس هناك عدو لرسول الله(ص) بين صحابة رسول الله حتى ليقوم بهذه العملية وهي قتل الرسول(ص) بادعاء ان كل صحابة الرسول هم مؤمنون مرضيون... ولا يجوز التعرض لهم وحتى سبهم(وأود أن اشير أن هذا ما يذهب اليه أبن تيمية في عدم جواز التعرض للصحابة)أذن لا بد من ان يكون القتل بأشخاص من غير الصحابة المنزهون من شبهة أو انحراف.
وللرد على هذا الدليل: فأن هذه الدعوى انهم مؤمنون طيبون.. فهي مخالفة صريحة لكتاب الله وسنة رسوله. فأما الكتاب: فمنه قوله تعالى: { ومن أهل المدينة مردوا على النفاق...}(2).
وهذه الآية صريحة في أن ليس كل أهل المدينة مسلمين بالمعنى الصحيح ومؤمنين بأجمعهم بالله سبحانه وتعالى ونبيه وأهل بيته الطيبين الظاهرين(سلام الله عليهم أجمعين)بل كان الكثير من المنافقين وفي مقدمتهم عبد الله بن أبي سلول وقد ذكرت المصادر أنه بلغ عدد المنافقين في المدينة ما يقارب ثلاثمائة وسبعين رجلًا وامرأةً، أحدثوا بين المسلمين من الفُرقة والشِّقاق والكَيد أمورًا تغلَّب عليها الرسول صلى الله عليه وسلم، المؤيَّد بالوحي، فقد جمع الله تعالى له من أسباب الحكمة والقوة وبُعْدِ النَّظَر ما لم يجتمع لزعيم قبله ولا بعده(3)، وهذا القول من كاتب من أهل السنة يقر بهذه الحقيقة. مضاف للمنافقين احبار اليهود وغيرهم وهؤلاء كانوا يدعون الإسلام وحب النبي وهم ليس لهم اي علاقة بالدين الإسلامي باي شكل من الاشكال.
وقوله تعالى أيضاً: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا }(4).
ويأتي الخطاب المتكرر في محكم كتابه والتأكيد على وجود المنافقين ومن الذين اظهروا الإسلام دون أيمان وتصديق واقعي ، لذا جاء تكرار لفظة الأيمان بقوله﴿ يا أيها الذين آمنوا آمنوا ..﴾فأذن لو لم يكن هناك منافقون لما صحَّ التكرار المذكور، لذا جاءت الآية التي تؤكد على ذلك بالوعيد والتهديد للمنافقين والعذاب الشديد للمنافقين حيث يقول { بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا }(5).
والآية في قوله تعالى{ و لتعرفنهم اي للمنافقين في لحن القول)
ورد عن أبي سعيد الخدري أنه قال مفسِّراً لهذه الآية :قال: ببغضهم علياً(عليه السلام)(6).
وقوله تعالى{ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا }(7).
وذكر جمعٌ من المفسرين انها نزلت في الإمام أمير المؤمنين عليٍّ عليه السلام، لأن نفراً من المنافقين كانوا يؤذونه ويكذبون عليه(8).
ولتأتي الآية الصريحة في قول سيحانه وتعالى{ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ }(9).
وهذا الخطاب صريح وليس فيه أي غبار لأنه نزل من لدن حكيم خبير وفي عصر نبينا الأكرم محمد(ص) حيث تشير بصراحة أن هؤلاء الصحابة والمنافقين سينقلبون ويرتدون بعد انتقال الرسول الأعظم الى الرفيق الأعلى وهو ما أخبر الرسول بذلك وصيه وخليفته الأمام علي(ع) وبكل ما سيحدث بعد وفاته وبكل التفاصيل حيث اعتدوا على وصيِّه الأعظم أمير المؤمنين عليٍّ وزوجته الطاهرة سيِّدة نساء العالمين ووليِّة الله الكبرى الزهراء البتول صلوات الله عليهما.
وأمَّا السنة النبوية: فقد دلت على ارتداد أكثر الصحابة بعد شهادة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، فقد روى البخاري وغيره من محدثي العامة أخباراً في هذا المضمون والمصادر موجودة في أسفل المقال (10)، للذي يريد ان يراجعها وهي كثيرة لاتعد ولا تحصى ولكن نقلنا منها للمثال لا على سبيل الحصر وهي تفند أن الصحابة مؤمنون وأنهم ليسوا بأعداء للنبي وآل بيته الطيبين الطاهرين(سلام الله عليهم أجمعين). وهذا مما يفند الدليل الأول وها نحن نستعرض أخباراً كثيرة من صحيح البخاري وهو كتاب مقدَّس عند المخالفين ومن سنتهم المقدسة على قاعدة(إقرار العقلاء على أنفسهم جائز) وقاعدة(من فمك أدينك).
وفي جزئنا القادم سوف نستعرض ونلقي الأضواء على استشهاد الرسول الأعظم محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) أن شاء الله أن كان لنا في العمر بقية.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.