في البداية نحب ان نعرج الى ما يقوله البروفيسور هنري كوربان الفرنسي الذي الهمه الله سبحانه وتعالى في ان يكون مستبصراً وهو مستشرق من جامعة السوربون له مكانته العلمية الكبيرة جداً، لديه تعبير دقيق حيث يقول " أن التشيع هو المذهب الوحيد الذي حفظ بشكل مستمر رابطة الهداية بين الله والخلق وعلقة الولاية حية إلى الأبد فاليهودية أنهت العلاقة الواقعية بين الله والعالم الإنساني في شخص النبي موسى (ص) ثم لم تذعن بعدئذ بنبوة السيد المسيح والنبي محمد (ص) فقطعت الرابطة المذكورة والمسيحية توقفت بالعلاقة عند المسيح عليه السلام أما أهل السنة من المسلمين فقد توقفوا بالعلاقة المذكورة عند النبي محمد (ص) وباختتام النبوة به لم يعد ثمة استمرار في رابطة العلاقة (في مستوى الولاية) بين الخالق والخلق التشيع يبقى هو المذهب الوحيد الذي آمن بختم نبوة محمد (ص)وآمن في الوقت نفسه بالولاية وهي العلاقة التي تستكمل خط الهداية وتسير به بعد النبي وأبقى عليها حية إلى الأبدي"(1).
وهناك عبارات أخرى للبروفيسور كوريان منقولة عنه عند بعض المواقع في تعبير أخر في وصف هذه الحالة لديه تعبير جميل ودقيق حيث يقول :
" كل الأديان تموت بموت أنبيائها ؛ اليهودية ماتت بموت موسى، والمسيحية ماتت بموت عيسى، واهل السنة ماتوا بموت محمد (ص) و وحدهم الشيعة الذين رفضوا أن يموتوا ، فهم غير مرشحين للموت؛ لأنهم وضعوا الحسين في بداية الطريق ، و وضعوا المهدي في آخر الطريق ، الإمام الحسين يدفعهم من عمق التاريخ ، ومن المستقبل يستدعيهم الإمام المهدي أن هلموا. إن مثل هذا المجتمع لا يمكن أن يموت ، فقيادته حاضرة ، ومثُلُهُ حاضرة وتتجدد ".
ويضيف فيقول "يبقى التشيّع وحده هو المذهب الذي منح الحقيقة لباس الدوام والاستمرار بعقيدته; إنّ هذه الحقيقة ما بين العالم الإنساني والأُلوهي ثابتة دائماً، وباقية إلى الأبد"(2).
" ولذا فهو وهو يعتقد بانتهاء مهمّة جميع أديان العالم (السماوية) وتوقّفها عن التكامل، باستثناء التشيّع الذي بقي متجدّداً حيّاً يقظاً بفعل رابطة الولاية والمهدي "(3).
ومن هنا كانت هناك علاقة متواصلة بين الأمام الحسين(ع) والأمام الحجة المهدي(عج) وذلك لوجود اواصر متشابهة بين نهضة الأمام الحسين وتمثلت بواقعة الطف أي ملحمة عاشوراء وبين نهضة وقيام آل محمد(عجل الله فرجه الشريف) وهذه الأواصر سوف نستعرضها وهي :
رفض الظلم :
فالحسين عندما رفض مبايعة يزيد(عليه لعائن الله) كان رافضاً للظلم ومهادنة الباطل ومقولاته مشهورة وتدل على ذلك فهو يقول { وعلى الإسلام السلام إذ قد بُليَتْ الأمة براعٍ مثل يزيد }
وإذا كان الحال كذلك فمن الطبيعي أن يمتنع الإمام الحسين: عليه السلام: عن البيعة ليزيد المنحرف سلوكيا.
فحينما دعاه الوليد بن عتبة والي المدينة لتقديم البيعة والولاء ليزيد، فكان ردُّ الحسين(عليه السلام) : { إنا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة، ومحل الرحمة، بنا فتح الله وبنا يختم، ويزيد رجل فاسق شارب الخمر قاتل النفس المحترمة معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله، ولكن نصبح وتصبحون وننظر وتنظرون أينا أحق بالخلافة والبيعة }(4).
ولهذا نلاحظ عبارة مثلي لا يبايع مثله هي عبارة بليغة جداً فهو لم يقل مثلاً( انا لا ابايع يزيد) وليخرج القضية من دائرة الشخصنة بشخصه الشريف وليخرج هذا الموقف بانه صراع منحصر بين الامام الحسين(ع) ويزيد بل وليغلق الأبواب ويَحصر التكليف به دون غيره من سائر الناس، سواء أكان في ذلك الزمان، أو في كل زمان.
والاهم هو رسالة مهمة لكل من يريد السير على نهج أبي الأحرار في رفض الظلم ولكي يـتأسى به ويسير على نهجه ولكل من يدعي أو ينتسب للحسين وهي رسالة عبر العصور في انه يجب عدم مبايعة وتقديم الولاء والطاعة وللظالمين ولكل يزيد في كل زمان ومكان لأنَّ: مثل الحسين لا يبايع مثل يزيد. وليعطي رسالة واضحة ودليل قاطع في تفنيد أن أئمة أهل البيت قد التزموا منطق والسكوت اي كما يقال التقية السلبية تجاه الأنظمة الجائرة التي يمثل كلٌ منها (يزيد) عصره، لأنَّه الائمة هم مثل الحسين، ومثل الحسين لا يبايع مثل يزيد.
ومن هنا يعتبر الامام الحسين(ع) الموقف الشرعي لكل إنسان وعبر التاريخ والزمان كله تجاه كل نظام جائر وطاغوت والذي ينص على حرمة تلك الأنظمة الجائرة والطواغيت وعدم الركون اليهم والسكوت عنهم وكل قول وفعل لأبي عبدالله هو قول وحجة وسنة شريفة لا ينبغي مخالفتها والانحراف عنها.
ولهذا فلنكن صادقين في حب الحسين وأن نقرن القول بالفعل في أننا نقول أننا حسينيون بالاتباع والعمل وفق وطبق الغاية والهدف الذي خرج لتحقيقه الحسين ولهذا هو ضحى وخرج إلى المنية التي هو عارف بها هو وعياله وأهل بيته وأصحابه المنتجبين لغرض الإصلاح في أمة جد الحسين الرسول(صل الله عليه وآله).
هذا من جانب أما الرسالة المكملة لرسالة الحسين فهي رسالة قائم آل محمد(عج) فهو غائب ولا يظهر الا بعد ان تمتلئ الأرض ظلماً وجوراً وهذا ما بشر كل آل بيت بدءً من نبينا الأكرم محمد(ص) الى باقي أئمتنا المعصومين(سلام الله عليهم أجمعين) ولا نجد أننا بحاجة لأن نقيم الدليل على أن كل الأئمة من أهل البيت (ع) قد بشروا بالمهدي الثاني عشر منهم، وركّزوا عليه، وجعلوا الاعتقاد به مسبقاً من علائم الإيمان، ومن أراد الوقوف على ذلك فليراجع كتب الأحاديث الواردة عنهم (ع) وهي تؤكّد كلّها على ذلك.
وأهل البيت (ع) عندما يؤكّدون على ذلك فلا يعني أن ذلك مجرّد رأي شخصي، وإنما يعني أنهم يؤكّدون قضية إسلامية أصلية، وذلك لأن أقوالهم ليست إلاّ أقوالاً للرسول الأكرم (ص) كما أكدوا هم على ذلك. ويتوضح ذلك أكثر عندما نأخذ بعين الاعتبار كل الأدلة التي تثبت إمامتهم (ع). وأنهم لا يقولون إلاّ الحق.
الأحاديث من أهل السنة :
وعن سعيد الخدري قال: قال رسول الله (ص): { المهدي منّي أجلى الجبهة، أقنى الأنف، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، ويملك سبع سنين }(5).
وعنه أيضاً قال رسول الله (ص): { أبشّركم بالمهدي يُبعث في أمّتي على اختلاف من الناس، وزلازل، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض، يقسم المال صحاحاً }. أي بالسوية ـ رواه أحمد في مسنده(6).
وهو من نسل الرسول(ص)ومن ولد الحسين حيث ذكر أبو داود في سننه: { لا تذهب [أو لا تنقضي] الدنيا حتى يملك العرب رجل من هل بيتي يواطئ اسمه اسمي }(7).
والتصريح في الروايات الكثيرة باسمه (عج)، فقد جاء فيها: وأما نسبه فإنه من أهل بيت رسول الله. وعن ابن مسعود أن اسمه محمد. وفي روايات كثيرة أنه من ولد فاطمة البتول (ع). وقد ردّ ابن حجر على الأخبار الدالة على أنه من ولد العباس. وغير ذلك مما لا يمكن أن ينطبق إلاّ على ما تقوله الشيعة الاثنا عشرية(8).
والقرآن قد صرح بذلك عن شيوع الفساد والظلم عندما ذكر بكتابه الحكيم{ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }(9).
والآية المهمة التي تؤكد على ظهور المهدي وأنه يحارب الظلم والفساد فيذكر جل وعلا { وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ }(10).
ومن هنا كانت الرسالة المهدوية الإصلاحية هي امتداد للرسالة الحسينية اي ان نهضة الحسين كانت ركن أساسي في تثبيت اركان رسالة المهدي الإصلاحية وكان الهدف المشترك بينهما هو رفض الظلم والإصلاح وهي السمة المشتركة لتلك النهضتين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.