في الحقيقة لكل من يطلع على شخصية امير المؤمنين(ع) هي شخصية لها جوانب وأبعاد كثيرة وليس سيرة عادية لأي شخص وحتى لقائد أو حاكم معين فهي شخصية اتسمت بمعاني وعبر آلهية أختص بها الله سبحانه وتعالى بها وصي الله ورسوله ونحن بحاجة الى دراسة واستقراء هذه الشخصية السامية والرفيعة بكل معنى الكلمة ولا نكتفي فقط بسرد واقعة الاستشهاد وان كانت هي بذاتها جانب متكامل وفيه عدة زوايا وابعاد، ولكنها اصبحت قضية خطباء المنابر، فاصبحوا يتطرقون لهذه المصيبة ويعرجون على تفاصيلها بالدمعة والعزاء. وهذا الطرح هو بعيد عن طرح سيرة عالم أو فيلسوف أو حتى قائد عظيم ويتم قراءتها او استقرائها بصورة سطحية والتي افصح عنها رب العزة والجلال بهدم أركان الهدى لشهادته وبنداء جبرائيل تهدمت والله اركان الهدى، وكانت ولادته في أطهر بقعة في الكون وهي الكعبة المشرفة وبالتالي نبحث عن ما هو خلف السطور، لعظمة هذه الشخصية العملاقة التي افصح عنها الجليل بهدم اركان الهدى لشهادته! هذه العبارة لو بحثت عنها لآلاف السنين لا نجد من يفسر ما كان يقصد فيها جبرائيل (عليه السلام). وأغلب التفاسير البشرية لمنزلة الأمام علي في الأحاديث القدسية والشريفة تفاسير بشرية وباعتقادي المتواضع هي تفاسير منقوصة تختلف عن تفسير الله عز وجل وملائكته لذلك قال النبي محمد (صلى الله عليه واله): { يا علي لا يعرف الله الا انا وانت، ولا يعرفني الا الله وانت ولا يعرفك الا الله وانا }(1)، اذن منزلة علي عند الله لا يعرفها احد من البشر وان على منزلته اصبح وجيها بالعلم
ولهذا اصبحنا بحاجة الى دراسة السيرة العلوية العطرة والمطهرة وسيرة هذا الحاكم العادل والتي نحن اليوم والبشرية بأمس الحاجة اليها حتى اصبح النموذج نموذج عالمي يقتدي به كل العلماء والمفكرين والعلماء وحتى القادة العظماء وعلى اختلاف دياناتهم التي كانت في حكومته (عليه السلام)حيث لم نجد هناك مسيحي مات من الجوع، او يهودي قد اعتقل بتهمة ديانته، او مسلم تعرض لسرقة، الجميع يعيش في سلام وأمان، وقد نقل لنا التاريخ حقبة عن عدل الإمام علي (ع) في حكومته فكانت حكومة عدل آلهي تمثلت فيها كل قيم العدل السماوي. ولو راجعنا الحكومة التي اقامها الأمام علي(ع) ومعالجة هذه الجوانب السامية في النموذج للحاكم العادل في حكومة الأمام علي الرائدة في كل ميادين العدالة السماوية وهو يمثل الحاكم العادل لكل الديانات ومع اختلافها. حتى الرسول الأعظم محمد(ص) في وصف علي في العدل و { كفي وكف علي في العدل سواء }(2).
ويضيف النبي الأكرم فيقول{ إنه أوفاكم بعهد الله تعالى، وأقومكم بأمر الله، وأعدلكم في الرعية، وأقسمكم بالسوية، وأعظمكم عند الله مزية }(3).
ولهذا كان العدل كان الصفة الفريدة التي اتسم بها حكم أمير المؤمنين فكان عدل الأمام علي يقر به العدو قبل الصديق ويشهد به كل الكتاب والعلماء والمفكرين وعلى اختلاف دياناتهم ومشاربهم وليذكر ذلك (عليه السلام) في حديثه: { والله، لأن أبيت على حسك السعدان مسهدا، أو اجر في الأغلال مصفدا أحب إلي من ألقى الله ورسوله يوم القيامة ظالما لبعض العباد، وغاصبا لشيء من الحطام. والله، لو اعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصى الله في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلته }(4).
وورد عن الامام علي بن ابي طالب "عليه السلام":{ احاج الناس يوم القيامة بسبع: إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والقسم بالسوية، والعدل في الرعية، وإقام الحدود }(5).
ومن هنا كان وصف الكاتب والمفكر المسيحي جورج جردق للأمام عن
استشهاده إذ يقول " كل ما في الطبيعة كان يعصف بالثورة، إلا وجه ابن أبي طالب فقد انبسط لا يحدث بانتقام، ولا يشير إلى اشتباك، فإن العواد وقفوا بباب الأمام وكلهم جازع متألم باك يدعو إلى الله أن يرحم أمير المؤمنين فيشفيه ويشفي به آلام الناس، وكانوا قد شدوا على ابن ملجم فأخذوه، فلما أدخلوه عليه قال: أطيبوا طعامه وألينوا فراشه " (6).
وهذه هي قمة العدالة لأبي تراب والتي يصفها الكاتب المصري محمود العقاد بالأريحية التي أمتاز بها بنو هاشم ومنهم سيدي ومولاي الأمام علي بن أبي طالب(عليه السلام)
وفي جزئنا القادم نستكمل الجوانب المضيئة للولادة المباركة لأميرالمؤمنين أن شاء الله إن كان لنا في العمر بقية.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.