قال رسول الله(ص) : " من حُسْنِ إسلامِ المرءِ تَركَهُ ما لا يَعْنِيهِ"
في هذا المجلس المبارك سأتعرض لجملة من المواضيع الأخلاقية التي حرص عليها الاسلام.معنى حسن الأخلاق .. تعريف حسن الخلق .. أول ظاهرة في حسن الخلق هو الوجه الطّلق،أي ان تكون نظرة العين إلى الآخرين بدون تكلف ولا تعالي , لان للعين لغة .. واضحة يعرفها اغلب الناس .. ثم من معاني الاخلاق بذل المعروف للناس .. واجمل معروف هو إبعاد الأذى عن الناس، ....ومن اجمل صفات الاخلاق الكلام الحسن، والنصيحة، وعدم الغضب، وسعة الصدر، والصبر على الأذى، وحسن الخلق هو كلّ قولٍ أو فعلٍ يقربنا من الله تعالى، ويجعلنا عظماء في أعين الناس، خاصة العفو عن الناس، وتجنّب الشتائم وبذاءة اللسان، لأنّ حسن الخلق يوجب ان يكون اللسان والعين مؤدبتان... كيف تكون العين مؤدبة ..؟
** لم يقتصر الكلام للإنسان من خلال لسانه فقط .. وان كان اللسان هو العنصر الأول لإيصال بين الفرد والمجتمع ولكن للعين لغة ايظا.. وللشاعر جرير بن عطية اليربوعي كان عفيفاً، له قصيدة عن لغة العيون .. يصف جرير سحر العيون التي تصرع العقلاء، فقال: إنّ العيون التي في طرفها حور*** قتلننا ثم لم يحين قتلانا ..إذن يستطيع الإنسان ان يوصل الغاية التي في نفسه عن طريقين مهمين معروفين عند الناس .. هما لغة اللسان ولغة العيون كما يقول علماء الأخلاق.
كيف تقرأ لغة العيون؟ لان لغة العيون خاصة للإشارة .. من خلال حركتها .. ليس فقط العيون لها لغة .. بل الجسد له لغة من خلال المشي , او من خلال الملبس .. ولذلك القران يسمي حالة للمشي باسم ( مشي المرح ) وهذا ياتي من التكبر .. ****التكبر ينقسم الى قسمين : "ظاهر وباطن" والباطن هو ما استقر في النفس، أما الظاهر هي أعمال تصدر من الجوارح تكون واضحة من خلال الكلام والجلوس والمشي .. كل جارحة تعطي إشارة بالتكبر .. للإسلام موقف مع المتكبرين :.
يقول تعالى: {الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأرض هَوْناً }هؤلاء لا يعملون في المشي حركةً استعراضيّةً، متأتية من عقدةٍ ذاتيةٍ مرضية يشعر الشخص بشعور العظمة،ويترجمها بجسمه أثناء المشي على طريقة تسمى خيلاء وتكبّر، بينما المشي مجرّد وسيلةٍ طبيعيةٍ للانتقال.. الله تعالى وهبنا القوة في المشي والركض والنوم والجلوس .وهذا يستوجب الشكر لله , ومن عوامل الشكر ان تتحرك أثناء المشي بالطريقة الطبيعية التي تحقق الهدف، من دون زيادةٍ ولا نقصان، فلا يثقلون الأرض بضربات أقدامهم، ولا يثقلون على أجسادهم بالزهو والخيلاء، ولا يسيئون إلى مشاعر الناس الذين ينظرون الى تكبرهم وجبروتهم بحركات الكبرياء، بل يتحركون برفق وتواضع، في تذلل المؤمن عند نفسه، وتواضعه للناس. ثم تقول الاية :..
{وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً} هذه الاية تجمع بين رد اللسان وكيفية التعامل به مع المتكبرين ومع الجهال ومن هم بمستوى هابط من الاخلاق ..فهم لا يردون مع الناس الذين يثيرونهم بالكلام القاسي ،حين تسمع كلاما قاسيا من حاقد او موتور او جاهل , ليكن ردك بمستوى فهم القران .. صحيح هو اثارك بكلامه القاسي ولكن لا ترد بنفس الجنس من القول ..هناك كلمة مهذبة يريدها القران ( سلاما)..
هذه الكلمة افضل ما يمكن ان تستخدمها مع المتكبر والجاهل والموتور ..مهما كانت الكلمة الموجهة أليك قاسية ... فلا ترد على المتكبر بكلمة مماثلة في قسوتها وغلظتها، حتى في مقابلة الاستخفاف او الشتم والسباب، بكلمات الشتم والسباب المماثل أو غير المماثل،(أصل الشتم محاولة تقبيح أمر في المشتوم مثلا اقول له وجهك قبيح او انت سمين او أي كلمة يراد بها تنقيص من شخصية شخص بالكلام او بالاشارة عليه تسمى شتم .. فلان شتمك أي ذكر فيك شيء قبيح ..
اما السب ..هو الاطالة والتعدي لما هو ليس في الإنسان .. بل حتى تصل الامور الى ذكر الأعراض بالقباحة من القول ..كلنا نتذكر احد رؤساء الجمهوريات في العراق
دائما يذكر مفردة( عاب هل شوارب) فالسباب هو ذكر أي شيء ينتسب الى شخص معين بالقبح يسمى سب ..!! وحين يطول الشتم بكلمات بذيئة . تتحول الى سب .حكم القران على كل سباب يعتبر فاسقا بحكم الأحاديث والآيات القرآنية .. ***الأدلة كثيرة فقد اشتملت سورة الحجرات على آيات كثيرة محذرة من هذا: منها قوله تعالى: {ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون} (الحجرات:11) المعنى أن من فعل ذلك كان فاسقاً بعد أن كان مؤمناً، كما أطلق الله وصف الفسق أيضاً على من سب المحصنة المؤمنة فقال تعالى: {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً وأولئك هم الفاسقون}.. هذه كلها ذنوب من اللسان والعين. او من التكبر والتعالي على الناس ..
*** (" بحث في السب ") السب في الروايات :هنا تكمن المشكله لان هناك روايات فيها سب .. بل امر بالسب وروايات اخرى تنهى عن السب ..اليك نماذج منها :
ــــــــــ عن علي بن الحسين(ع) قال:(إذا رأيتم أهل البدع والريب من بعدي فأظهروا البراءة منهم وأكثروا من سبهم)الفصول المهمة للحر العاملي وكذا في البحار ج71
وجاءت رواية في قول الامام الحسن(ع) (وأما أنت يا عمرو بن العاص الشاني اللعين الأبتر( الشاني يعني شانئك هو الابتر )، فإنما أنت كلب ..أول أمرك، أن أمك بغية، وأنك ولدت على فراش مشترك، فتحاكمت فيك رجال قريش منهم أبو سفيان والوليد بن المغيرة، وعثمان بن الحرث، والنضر بن الحرث والعاص بن وايل، كلهم يزعم أنك ابنه، فغلبهم عليك من بين قريش ألأمهم حسبا، وأخبثهم منصبا، وأعظمهم بغية،))الاحتجاج للطبرسي فكلمه انت كلب سب لا سب وصفي كما يدعى لان السبّ لغة هو الشّتم كقولك يا شارب الخمر ، يا آكل الرّبا ، ..يا ملعون ، يا خائن ، يا فاجر ، يا فاسق ، يا حمار، يا ابن الكلب))راجع شرح نهج البلاغه.
*** اما قول امير المؤمنين (ع) في حربه لأهل الشام (إني أكره لكم أن تكونوا سبابين ولكنكم لو وصفتم أعمالهم وذكرتم حالهم كان أصوب في القول وأبلغ في العذر).. وللجمع بين الروايات فقال بعض شراح نهج البلاغه ما يلي :..
لعلّ النكتة في ذلك أن غرضه ومقصوده في جميع حروبه هداية الناس وإعلاء كلمة الاسلام وانقاذهم من الجهالة والضلالة لا القتل والغدر من اجل الملك والسلطنة كما أشار إلى ذلك بقوله ,حين استبطأ أصحابه ان يأذن لهم بالقتال بصفين : وأما قولكم شكا في أهل الشام فو اللَّه ما دفعت الحرب يوما إلَّا وأنا أطمع أن تلحق بي طائفة فتهتدى بي وتعشو إلى ضوئي ، وذلك أحبّ إلىّ من أن اقتلها على ضلالها وإن كانت تبوء بآثامها. ..كان الأمام علي (ع) ينهاهم عن (السب)لأنهم كانوا لا يعرفون مواضع السب ومواقع الشتم .. وفي أي حال يستوجب السب والمصالح والمفاسد التي تترتب على ذلك فربما وقع شيء من ذلك في غير موقعه.وربما هذا يترتب عليه فساد أو عناد أو إصرار على ظلم أو باطل .
واخيرا فقد سب امير المؤمنين الأشعث ابن قيس سبا شديدا حين قال له ) حائك ابن حائك )فكان هو وأبوه يحوكان الأثواب ومجازا نقصان العقل وهذا ينافي قوله اني اكره لكم ان تكونوا سبابين :.. إذن {السب نوعين الاول للتشفي والثاني لهدم أهل الضلال والمنهي عنه الأول لا الثاني )راجع التوضيح في نهج البلاغه ..
السب عند العلماء : هنا اكتفي بنقل استفتاء واحد عن مرجع الطائفه السيد السيستاني دام ظله الوارف : ورد سؤال {هل يجوز السب في الإسلام )؟...لجواب :
{{لا يجوز سب المؤمن}} .تأمل منطوق الجواب ثم تأمل مفهومه ..هذه المفاهيم الاخلاقية كلها تتعلق باللسان , ومرتبطة بالنفس أساسا ..!!.
ـــــــــــــ
دوافع وأسباب التكبر :. التكبر هو حالة نفسية في الإنسان تدفعه للترفُّع والتعالي على الآخرين الذين يتعامل معهم، ويظهر ذلك في ملامحه الخارجية وأفعاله وأقواله. والكبرياء من صفات الله تعالى التي يختصّ بها،{ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} هذه الصفات من المستحيل ان تكون للعباد، بل كرامتهم عند الله وعند الناس هي التواضع. رُوي عن الرسول الكريم {ص} أنه قال : (يقول الله جلَّ وعلا: الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فَمَنْ نازعني واحداً منهما ألقيتُهُ في النَّار)، .
وعن أمير المؤمنين {ع} أنه قال :(ما لابن آدم و الفخر,وأوله نطفة و آخره جيفة لا يرزق نفسه و لا يدفع حتفه ). ولكن الإنسان يصاب بمرض التكبر لأسباب.:
أولا العلم : فإذا ما تعلم الإنسان أيّ علم ، وأشتهر به فإن ذلك يدفعه إلى استعظام نفسه ، والتكبر على الآخرين واستحقارهم .بدلا من ان يشكر الله الذي وهبه عقلا استطاع من خلاله استيعاب العلوم التي هي ليست ملكه .. وهذه تحتاج الى شكر وتذلل لله تعالى وتواضع للناس .والعلم وسيلة لرضا الله تعالى ..و المؤمن الحقيقي يعرف أن العلم وسيلة لرضاء الله ، وأن الله هو الذي هيأ له هذا العلم وعلمه ورفعه ، فكلما توسع في العلم زاد تواضع وشكر الله وحمده .{ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ } وعلى هذا العلم صدقات .. منها مساعدة الناس الذين يحتاجون ذلك العلم مثلا الطبيب الذي يعالج المريض .. أساساَ علوم كل ذي علم من اموال الناس .
فالشارع الذي سرت عليه لتصل الى المدرسة .. تم تبليطه من اموال الناس .. والمدرسة بنيت من اموال الناس .. ورواتب من علموك دفعها الناس .. فأصبح حقا عليك ان ترد الفضل لهم بتعليمهم ورعايتهم ..لا ان تتكبر عليهم .
ثانيا الحسب والنسب :الحسب والنسب دافع قوي للتكبر على الآخرين وتصل الحال إلى احتقار الناس والبعد عن مجالستهم ، لأنهم أقل منه حسباً ونسباً . والمؤمن يعلم أن الحسب والنسب ليسا مقياساً في ميزان الأفضلية ,إنما المقياس هو التقوى.
قال تعالى :{ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ } فكل تقي هو اقرب إلى الله من أبناء الحسب والنسب إذا لم يكن تقيا .: : قال رسول الله ( ص) : لكلّ شيء وجه ووجه دينكم الصلاة ، فلا يشيننّ أحدكم وجه دينه . ورُوي عن الصادق (ع) انه قال في وصيةٍ له:ليس منّي من استخفّ بصلاته ، لا يرد عليّ الحوض ، لا والله ، ليس منيّ من يشرب مسكراً ، لا يرد عليّ الحوض ...
إذن ليس النسب والحسد ذي أهمية عند الله . فأقرب الناس نسبا من النبي (ص) أهله وهم فاطمة وأبناءها .. وقد قال(ص): فاطمة بضعة مني . وقال : ان اقربكم مني مجلسا يوم القيامة:وقوله : أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحسنكم أخلاقا .... وأقربكم مني من أكثر علي الصلاة ... فَالَّذِي لَهُ نَسَبٌ شَرِيفٌ يَسْتَحْقِرُ مَنْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ النَّسَبُ وَإِنْ كَانَ أَرْفَعَ مِنْهُ عَمَلًا وَعِلْمًا، وَقَدْ يَتَكَبَّرُ بَعْضُهُمْ فَيَأْنَفُ مِنْ مُخَالَطَةِ النَّاسِ وَمُجَالَسَتِهِمْ، وَقَدْ يَجْرِي عَلَى لِسَانِهِ التَّفَاخُرُ بِهِ فَيَقُولُ لِغَيْرِهِ: مَنْ أَنْتَ وَمَنْ أَبُوكَ فَأَنَا فُلَانٌ ابْنُ فُلَانٍ، وَمَعَ مِثْلِي تَتَكَلَّمُ!.
ثالثا .كثرة المال : دافع للتكبر على الآخرين ، واحتقار الفقراء والاستهزاء بهم والترفع عليهم .المؤمن كلما أزداد مالاً ، حمد الله وشكره وأدى حق الفقراء ويزداد شكرا وتواضعا لما رزقه الله تعالى ليزداد له حب الناس من حوله....
** رابعا القوة والشدة : من عوامل التكبر ان ينتقل مرض التكبر في نفس الإنسان حين يشعر بوجود أسباب القوة بكل صورها .. او الشدة التي يعطيها القانون أحيانا . او أسباب اجتماعية حين يحيط به عدد من التابعين .. فيدب في نفسه مرض التكبر ولذلك يعبر عنها في صور شتى منها أن يعلق بندقية في مجلسه .. ليبرهن للناس انه قوي بعصبته في حين هو مريض ، ناسياً أن من أعطاه هذه القوة قادر على سلبها منه .وقد تعايشنا مع أقوياء كان الناس يهابون ذكر أسماءهم بسوء , ولكن حين رفع الله أسباب قوتهم والتفاف الناس عنهم , سكنوا الحفر كالجرذان ..المؤمن يشعر أن هذه القوة هي نعمة من الله يجب أن يسخرها في خدمة الضعفاء .
ومن أسباب التكبر والاستقواء على الضعفاء كثرة الأتباع والأنصار وتلاميذ الدرس والعشيرة والأقارب والمعروف بالعلاقات : كل هذه دوافع للكبر على الناس واحتقارهم واستغلالهم ماديا واجتماعيا .. الا المؤمن تكون هذه الأمور سبباً في تواضعه ، وخوفه من الله تعالى وحبه للآخرين ومساعدتهم. يقابل هذا التواضع.
**** الصفة التي تبين ان الشخص الفلاني متواضع .. تظهر عليه حالة احترام الناس حسب قيمتهم ومنزلتهم ، وعدم الترفع عليهم. .. وصفة التواضع تليق بالإنسان أكثر من التكبر, وهي وصية الله لانبياءه .. قال تعالى : ﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ). بلين جانبك, ولطف خطابك لهم, وتوددك, وتحببك إليهم, وحسن خلقك والإحسان التام بهم...
وقد فعل ذلك كما قال تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حولك) هناك حكم رائعة عن التواضع (ثمرة التواضع المحبة، وثمرة الكبر المسبة.)(عليك بالتواضع فإنه من أعظم العبادة).قال أمير المؤمنين (ع):"ما أحسن تواضع الأغنياء للفقراء، طلباً لما عند اللّه، وأحسن منه تيه الفقراء على الأغنياء إتكالاً على اللّه" . وقال الصادق(ع):"إنّ في السماء ملكين موكلين بالعباد، فمن تواضع للّه رفعاه، ومن تكبّر وضعاه" .
** بحث في التواضع :. يلتبس الامر احيانا على المؤمنين المتواضعين في ممارسة حالة التواضع .. فهناك نوعين من التواضع على المؤمن ان يتقي الثاني .. الاول هو التواضع الممدوح .. والثاني التواضع المذموم ..
الأول الممدوح : هو التواضع بتعقل ان تجلس او تتكلم او تتصرف مع مجموعة تعرف معنى التواضع .. ويسمى التواضع المقرون بالقصد والاعتدال الذي لا إفراط فيه ولا تفريط، فالإسراف في التواضع داع إلى المهانة، والتفريط فيه باعث على ذوبان الشخصية خاصة اذا كان التواضع بين المتكبرين .. على العاقل أن يختار النهج الأوسط، المبرّأ من الذلة والانحطاط ، وذلك: بإعطاء كل فرد ما يستحقه من الحفاوة والتقدير، حسب منزلته ومؤهلاته.لذلك لا يحسن التواضع للانانيين والمتعالين على الناس بزهوهم وصلفهم. إن التواضع والحالة هذه مدعاة للذل والهوان، وتشجيع لهم على الأنانية والكبر، كما يقول المتنبي:إذا أنت أكرمت الكريم ملكته وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا ..
**كان النبي (ص) أشدَّ الناس تواضعاً، إذا دخل منزلاً قعد في أدنى المجلس حين يدخل، وكان في بيته يساعد أهله، يحلب شاته، ويرقع ثوبه، ويخصف نعله، ويخدم نفسه، ويحمل بضاعته من السوق، ويجالس الفقراء، وبواكل المساكين. وكان إذا سارّه أحد، لا ينحّي رأسه حتى ينحّي الرجل رأسه، وما أخذ أحد بيده فيرسل يده حتى يرسلها الآخر، كان يبدأ من لقيه بالسلام، ويبادئ أصحابه بالمصافحة، ولم يُر قط ماداً رجليه بين أصحابه، يؤثرة جليسه بالوسادة التي تحته، ويكنّي أصحابه، ويدعوهم بأحب أسمائهم لهم، ولا يقطع على أحد حديثه..
وعن أبي ذر الغفاري: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يجلس بين ظهرانيّ أصحابه، فيجيء الغريب فلا يدري أيُّهم هو حتى يسأل، فطلبنا اليه أن يجعل مجلساً يعرفه الغريب إذا أتاه، فبنينا له دكة من طين فكان يجلس عليها، ونجلس بجانبه.
ةةةة التكبر على المتكبر عبادة :.. هنا يرد سؤال .. هل هذا الحديث وارد فعلا عن رسول الله (ص) وهل يدعو الرسول الى ان نتكبر .. فما هو حقيقة الحديث .. وما تخريج هذه الحالة عند العقلاء ...؟ (التكبر على المتكبر عبادة)، فهل هو حديثٌ معتبر؟ وما هو معناه؟ الجواب: لم ترد هذه المقولة في كتب الحديث لا في خبرٍ صحيحٍ ولا في خبر ضعيفٍ. وكذلك لم ترد عند غيرنا من المذاهب الاسلامية أي حديثٍ منسوبٍ إلى رسول الله(ص) .. ولكن هي عبارة مشهورة على ألسن الناس، وجاءت في بعض الكتب بألفاظ مختلفة، إليك بعضها: – التكبر على المتكبر عبادة.
– التكبر على المتكبر صدقة.– التكبر على المتكبر حسنة.– من التواضع التكبر على الأغنياء. وقالوا: التكبر على من تكبر عليك بماله تواضع....على كلّ تقدير، هل يصحّ هذا المضمون ويتناسب مع قِيَم الإسلام وتعاليمه؟ قد يقال: إنّه منافٍ للآيات والروايات التي ذمّت التكبّر، ومدحت التواضع بشكلٍ مطلق، قال تعالى: ﴿وَلَا تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخرِقَ الأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً﴾.
ولكن لا بدّ من الالتفات إلى الغاية من التكبر على المتكبر ..باعتقادي أنّ هذه المقولة لها محامل صحيحة من الناحية اللغوية والبلاغية، وفي الوقت نفسه قد لا تتنافى قيم الإسلام وتعاليمه. وإليك بعضها: فقد ورد في القران الكريم , قوله تعالى: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ ۖ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}، فإنّ المكر صفة ذميمة لا تصدر من الله تعالى، ولكن أريد من المكر المسند إليه مجازاتهم على مكرهم، فكأنّه قيل: ومكروا وجازاهم على مكرهم، ولكن استعمل مكان الجزاء لهم لفظة المكر لتكون بنفس الكلمة والفعل المسند إليهم (شكلاً لا معنى، كما هو رأي بعض المفسرين)... وكذلك الحال فيما نحن فيهمن التوضيح للتكبر على المتكبر ، حيث يراد من التكبر ليس في النفس بل هو مجازات المتكبرين على تكبّرهم، ولو بالابتعاد عنهم، أو إظهار التنفّر منهم.
****هنا يتبين ان التكبّر على نحوين: تكبر حقيقي، وهي الصفة النفسية الدالة على زهوّ الإنسان واعتقاده بأنّه كبيرٌ وأفضل من غيره.... والقسم الاخر "صوري" ويحصل بالتظاهر بمظهر المتعالي على المتكبر وعدم الاكتراث به .. لانك اذا تواضعت للمتكبر فهذا لا ينفع حالة التواضع؛ لأنّه يزداد في غيّه، بل تظاهر معه بالترفّع. فهذه المقولة لا توصي بالتكبّر باعتباره خُلُقاً، بل توصي به باعتباره سلوكاً ومظهراً في ظرفٍ خاص. فالإنسان.لغرض تأنيب المتكبرو ردعه ..
*** ورُوي عن رسول الله (ص) كان في سفر، فأمر بذبح شاة وطبخها ، فقال رجل: عليّ ذبحها وسلخها، وقال آخر: عليَّ طبخها، فقال (ص) عليَّ جمع الحطب. فقالوا: يا رسول اللّه نحن نكفيك. فقال: قد علمت أنكم تكفوني، ولكن أكره أن أتميَّز عليكم، فإن اللّه يكره من عبده أن يراه متميِّزاً بين أصحابه، وقام فجمع الحطب...
وروي أنه خرج (ص) إلى بئر يغتسل، فأمسك حذيفة بن اليمان بثوب يستره حتى اغتسل، ثم جلس حذيفة ليغتسل، فتناول رسول اللّه الثوب، وقام يستر حذيفة، فأبى حذيفة، وقال:يا نبي الله لا تفعل، فأبى رسول اللّه إلا أن يستره بالثوب حتى اغتسل، وقال: "(ما اصطحب اثنان قط، إلا وكان أحبهما الى اللّه أرفقهما بصاحبه").وهكذا كان علي (ع) في أخلاقه متواضعا ... دخل ضرار بن ضمرة على معاوية ، فقال له : يا ضرار صف لي عليَّاً ، فقال : أو تعفني ، قال : لا أعفيك قالَها مراراً .
فقال ضرار : أما إذ لا بُد ، فكان والله بعيد المدَى ، شديد القوى ، يقول فَصلا، ويَحكم عَدلا ، يتفَجّرُ العلم من جوانبه ، وتنطق الحكمة من نواحيه ، يَستوحش من الدنيا وزهرتها ، ويستَأنس باللّيل وظلمته .كان والله غزير الدمعة كثير الفكرة ، يُقَلِّب كَفّهُ ويُخاطِبُ نفسه ، يُعجبه من اللباس ما خشن ، ومن الطعام ما جَشُب .. ثم قال : كان والله كأحدنا ، يُجيبنا إذا سأَلناه، ويبتدئنا إذا أتيناه ويَأتينا إذا دعَوناه ، ونحنُ والله مع قربه منَّا ودُنوّه الينا لا نكلِّمهُ هيبةً له ، ولا نبتديه لعظمه ،يعظّم أهل الدين ، ويُحبّ المساكين ، لا يطمع القَويٌ في باطله ، ولا ييأَس الضعيف من عدله ، فأشَهَدُ بالله لقَد رأيته في بعض مواقفه ليلةً ، وقد أرخى الليل سجوفه ، وغارَت نجومه ، وقد مثل قائماً في محرابه ، قابضاً على لحيته ، يتمَلمَلُ تَململُ السقيم ، ويَبكي بكاء الحزين ، وكأنِّي أسمعه وهو يقول : يا دنيا غرّي غيري ، أَبي تَعرّضْتِ أم إلَيَّ تَشَوّقْت ، هيهات هيهات قد أبَنَتُكِ ثلاثاً لا رجعَةَ لي فيك ، فعُمركِ قصير ، وعشيكِ حَقير ، وخطرك كبير ، آه من قلّة الزاد وبُعد السفر ووَحشة الطريق .
***قال الصادق(ع): "خرج أمير المؤمنين(ع)على أصحابه، فمشوا خلفه، فالتفت إليهم فقال: لكم حاجة؟ فقالوا: لا يا أمير المؤمنين، ولكنّا نحب أن نمشي معك. فقال لهم: انصرفوا، فإن مشي الماشي مع الراكب، مفسدة للراكب، ومذلّة للماشي" هكذا يقص الرواة طرفاً ممتعاً رائعاً من تواضع الأئمة الهداة وكرم أخلاقهم.
.. ومن تواضع الحسين (ع) أنه مرّ بمساكين وهم يأكلون كِسَراً لهم على كساء، فسلَّم عليهم، فدعوه الى طعامهم، فجلس معهم وقال: لولا أنّه صدقة لأكلت معكم. ثم قال: قوموا إلى منزلي، فأطعمهم وكساهم وأمر لهم بدراهم .. وفد أعرابي المدينة فسأل عن أكرم الناس بها ، فدُلّ على الحسين (ع) فدخل المسجد فوجده مصليا ، فوقف بإزائه وعرض حالته .. فنادى الحسين(ع) قنبر !.. هل بقي من مال الحجاز شيء ؟.. قال : نعم ، أربعة آلاف دينار ، فقال : هاتها !.. قد جاء من هو أحق بها منّا ، ثم نزع ثوبه ولف الدنانير فيها وأخرج يده من شق الباب حياءً من الأعرابي وأنشأ : وهو يقول له خذها فإني إليك معتذر***واعلمْ بأني عليك ذو شفقه *** لو كان في سيرنا الغداة عصا***أمست سمانا عليك مندفقه .. فأخذها الأعرابي وبكى ، فقال له : لعلك استقللت ما أعطيناك ، قال : لا ، ولكن كيف يأكل التراب جودك ..
ومرت السنون زجاء ذلك الاعرابي الى دار ابي عبد الله .. ينظر الى الدار من الخارج راها موحشة .. طرق الباب فكلمته العقيلة من خلف الباب من الطارق .. قال اليس هذا بيت الحسين بن فاطمة .. قالت نعم .. قال انا ضيفه اليوم , اختنقت بعبرتها وقالت ايها الضيف ان الحسين في سفر .. قال : سيحان الله .. اين ابناءه .. اين العباس وأخوته .. لقد عهدت هذه الدار تنافس السماء بنجومها .. قالت عظم الله لك الاجر , قتل اخي الحسين وجميع اخوته وليس في الدار الا اليتامى والارامل ..
فنادى واحسيناه وا أماماه .. ومشى وهو يبكي وزينب تسمعه .. التفتت الى دار ابي عبد الله.. ثارت شجونها ..جلست على الارض :...
جيت المدينة وهاجت احزاني عليه **** وعاينت دار حسين من شخصه خليه
بحسين سافرنا وبليا حسين رديت **** وياريتني يا دار من هل سفر ما جيت
ولا أشوف حسين خالي منه البيت
يا دار انشدج عن اهاليج ****يا دار وين احسين راعيج
جم وافد او قاصد اليلفيج****اخويه المنايه الضيف يرضيج
. وين البطل عباس احاجيج*****وين العشيره و الزلم ذيج
على احسين واولاده المصابيح *****يا دار عزيني و عزيج
يا دار شنهو طبتي ليج