الإمام جعفر الصادق.. نظر العلوم الحديثة فأغاظ الخليفة * /جميل ظاهري

السبت - 28/05/2022 - 12:16

 

عاصر الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام، أدوار سياسية في فترة عصيبة بالغة الاختناق على أهل بيت العصمة والطهارة، وشاهد بنفسه محنة وآلام الأمة واهاتها وشکواها وتململها، إلا أنه لم يکن ليملك القدرة على التحرك ولم يستطع مواجهة السلطة لاسباب عديدة، رغم أن الدولة العباسية استولت على السلطة واسقط الحكم الأموي بشعار موالاة أهل بيت النبوة، لكنهم ما أن بلغوا السلطة حتى كشفوا عن زيف ادعائهم هذا وراحوا يفتکون بأهل البيت ومواليهم وشيعتهم ومحبيهم حيث عانى العلويون أشد المعاناة کما عانى غيرهم من ظلم بني العباس وجورهم واستبدادهم حتى أن خليفتهم الاول (ابا العباس) سمي بالسفاح لکثرة ما أراق من دماء المسلمين .
التاريخ يروي لنا من أن الامام جعفر الصادق عاش كل هذه الاجواء السياسية المضطربة وغير المتجانسة في جو مشحون بالعداء والارهاب والتجسس والملاحقة إلا أنه استطاع بحکمته وقوة عزيمته ان يؤدي رسالته وان يفجر ينابيع العلم والمعرفة ويخرج جيلا من العلماء والفقهاء والمتکلمين، لكنه صلوات الله عليه تمكن بحكمته وحنكته من الجمع بين بين المتفرقات وفرق بين المجتمعات، فكانت مدرسته مدرسة شاملة مستوعبة لكل ما تحتاجه الأمة في حاضرها ومستقبلها ومعبّراً عن طموحها وتطلعاتها؛ منهله عذب لرواده، ومنتج لقصاده، إزدحم أهل الفضل في رحابه، وتشرفوا بتقبيل أعتابه، والكل يرجعون بطاناً مرويّين يشهدون بقوة حجته وشدة عارضته، يذعنون له تسليماً واطمئناناً، ويعترفون بمرجعيته تقديراً واحتراماً.
انشغل الامام أبا جعفر بتربية العلماء وجماهير الأمة وأسس لركن جديد من مقاومة ومقارعة ظلم وجبروت وفرعنة السلطة العباسية الماكرة عن طريق نشر الوعي العقائدي والسياسي والتفقه في احکام الشريعة ومفاهيمها ويثبت لهم المعالم والاسس الشرعية والواضحة، وصب جل إهتمامه ورسالته السماوية في قطاع التعليم والعلوم حتى أضحت الأمة مصدرها ومنبعها، ثم في مجال ردع الشبهات أراد من ذلك: 
اولا - حماية العقيدة من التيارات العقائدية والفلسفية الإلحادية والمقولات الضآلة، کالزنادقة والغلو والتأويلات الاعتقادية التي لا تنسجم وعقيدة التوحيد.. فجاهد الامام الصادق كثيراً في الدفاع عن عقيدة التوحيد ضد الملاحدة والزنادقة، وكذا الغلاة الذين حاولوا ان يتسترون تحت اسم أهل البيت عليه السلام ويخلعوا عليهم الصفات الربوبية والالوهية، وأهل بيت الوحي والتنزيل براء من ذلك جملة وتفصيلاً.. فوقف وقفة شموخ وإجلال امام الهجمة الثقافية الفكرية الشرسة التي كانت تسعى الى دفع المسلمين باتجاهات منحرفة وعادات هجينة، نشأت على أثرها تيَارات الالحاد، وفرق الكلام، والآراء الغريبة، والعقائد الضالَّة بحكمته وعلوم آبائه واجداده العظماء عليهم السلام. 
ثانيا - نشر الاسلام ووسع دائرة الفقه والتشريع وثبت معالمها، وحفظ اصالتها إذ لم يرو عن أحد الحديث ولم يؤخذ عن إمام من الفقه والاحکام، وكذا نظريات العلوم الحديثة كما أخذ عن الامام جعفر بن محمد الصادق الذي أنشأ المدرسة الجعفرية ودفع الى ازدهار العلوم الدينية والدنيوية بمختلف أصنافها مثل الفيزياء والرياضيات والكيمياء والطب خرج من مدرسته أكثر من أربعة آلاف عالم وفيلسوف، حيث شهد بذلك العشرات من كبار العلماء الفلاسفة والمستشرقين في جامعات فرنسا وبريطانيا وإيطاليا وسويسرا وبلجيكا وأمريكا ومن جامعات لبنان وإيران استعرضت آرائهم في كتاب ضخم سماه الذي ترجمه من الفارسية الدكتور نور الدين آل علي "الإمام الصادق(ع) كما عرفه علماء الغرب"، عبر بحوثهم التي قدموها لملتقيات علمية كانت تقيمها جامعة "ستراسبورغ" في فرنسا عام 1968 ميلادي.
الامام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام الذي نعيش هذه الأيام ذكرى استشهاده الأليم على يد الطاغية العباسي المنصور الدوانيقي في 25 شوال سنة 148 للهجرة (765م)، بعد أن دُس السُم الى طعامه عبر والي المنصور في المدينة، لما رآه من التفاف الناس مسلمين وغير مسلمين من مشارق الأرض ومغاربها حول الامام أب جعفر الصادق عليه السلام لينهلوا من علومه في مختلف القطاعات والتي روت عشرات آلاف المتعطشين للمعرفة والاخلاق والعلم بمختلف صنوفه.. فقد كان سلام الله عليه من أوسع الناس علماً، وأكثرهم اطلاعاً، حيث قال فيه الشهرستاني في كتابه (الملل والنحل): "أنه ذو علم غزير في الدين، وأدب كامل في الوحدة، وزهد بالغ في الدنيا، وورع تام عن الشهوات". فقد خصص الإمام الصادق (عليه السلام) في ما ألقاه على المفضّل بن عمر الجعفي فصلاً تحدّث فيه عن الطبائع وفوائد الأدوية وتشريح الجسم ومعرفة وظائف الأعضاء (الفسيولوجيا).
جعفر الصادق هو الامام السادس من أئمة الهداية الولاية السماوية على البشر، والذي سبق عصر العلوم والاكتشافات الحديثة بألف سنة، بذهابه الى أن الهواء مركّب من عناصر مختلفة؛ والواقع أن أبرز العلماء والفلاسفة منذ أيام "أرسطو" والى القرن الثامن عشر للميلاد الذي يعدّ قرن التقدّم والازدهار في ميادين العلوم، لم يكتشفوا أن الهواء ليس من العناصر البسيطة، ولم يقل أحد بهذا الـــرأي حتى جاء العــــالم الفرنسي "لافوازييه"(أبو الكيمياء الحديثة الذي اعدم عام 1794 بالمقصلة في الثورة الفرنسية) فحلل الهواء، وأستخرج منه الأوكسجين، وبرهن على أثره الحيوي الفعّال في التنفس وفي حياة الإنسان وفي عمليات الاحتراق؛ فأقبل جمهور العلماء والباحثين على رأي "لافوازييه" باهتمام، وسلّموا بأن الهواء مركب من عناصر مختلفة.
دراسة عشرات الفلاسفة والمفكرين والعلماء الغربيين تحت "الإمام الصادق- كما عرفه علماء الغرب"، استنتجت نتائج كبيرة جداً لا يسع مقالنا هذا ذكرها ونكتفي ببعض منها حتى لا يظن أحداً من أن أهل البيت عليهم السلام أصبحوا أئمة في الفقه والصلاة والعبادة وحسب بل هم أصل العلم ومعدنه، ومن تلك النتائج:
أولاً: الامام الصادق - أول من قال بدوران الأرض حول الشمس.
ثانياً: الامام الصادق - أول من أشار إلى الأوكسجين.
ثالثاً: الامام الصادق - أول من أشار إلى الجاذبية.
رابعاً: الامام الصادق - أول من أشار إلى أن الأعراض لها جزئيات (اللون، الطعم، الرائحة ).
خامساً: الامام الصادق - أول من فنّد نظرية العناصر الأربعة التي يذهب إليها أرسطو وصححها علمياً.
سادسا: الامام الصادق - أول من توصل الى انتقال العدوى عن طريق الضوء ايضاً، وليس عن طريق الهواء الملوث فقط.. ثم وله نظريات في الفيزياء والكيمياء والأحياء، والطب، والفلك والهيئة والبيئة و... غيرها.
لا يروق لاعداء الرسول الأكرم وأهل بيته الميامين الكرام أن يشاهدوا كل هذا الاهتمام بأئمة الأمة والالتفاف عليهم ويعدونه خطراً كبيراً على سلطتهم وعروشهم منذ بزوغ الاسلام وحتى يومنا هذا، لذا قصد المنصور العباسي حياة الامام الصادق حوالي 17 مرة وأمر بإغتياله في أكثر من مكان في الحيرة وبغداد والكوفة ومكة وحتى المدينة كما نقل ذلك المفضل بن عمرو والسيد أبو القاسم علي بن طاووس في کتابه "نهج الدعوات"، حيث دعا المنصور قائد من قواده فقال: انطلق الى المدينة في ألف رجل فاهجم على جعفر بن محمد وخذ رأسه ورأس أبنه موسى بن جعفر في مسيرك..(مهج الدعوات ص 260)، كما وأمره بإحراق بيته (المناقب لابن شهر آشوب ج4 ص280 وبحار الأنوار ج47 ص 2 رقم 4).
هذا جابر بن حيّان الطرطوسي من أشهر تلامذة الامام الصادق في الكيمياء، واسماعيل بن مهران بن أبي نصر السكوني؛ وهذا أبو جعفر أحمد بن خالد البرقي؛ وأحمد بن الحسين بن أبي الحسن الفلكي الطوسي حيث وضع كتاب "المنار" وكتاب "شرح التهذيب في الامامة" وله في النجوم والفلك كتاب "ريحان المجالس وتحفة المؤانس"، وقد نقل عنه السيد ابن طاووس؛ وهذا أبو النضر محمد بن مسعود العياشي التميمي الذي وصفه ابن النديم بقوله: أوحد أهل دهره وزمانه في غزارة العلم، له كتاب "النجوم والفأر"، و"القيافة والزجر" و"كتاب الطب"(الفهرست: 274 ـ 275)؛ وأبو علي الحسن بن فضال، وابو اسحاق ابراهيم حبيب الفزاري المتوفى عام (161 هـ ـ 777م)، أول من عمل الاصطرلاب (مرآة النجوم) في الاسلام. وأول من ألف فيه؛ وله في ذلك كتابي "العمل بالإسطرلابات ذوات الحلق"، و"العمل بالاصطرلاب السطح" (الإمام الصادق ملهم الكيمياء: 156 محمد يحيى الهاشمي)؛ وغيرهم من أصحاب الامام جعفر الصادق (عليه السلام)، لكل منهم تأليفات وتدوينات عديدة في الحديث والطب والفلك والكيمياء والفيزياء والجغرافيا، حيث لا يسع لهذا المقال الصغير أن يستعرضها كلها.