أوكرانيا .. بعيون محايدة - 6 - /ضياء الناصري 

الجمعة - 27/05/2022 - 08:25
أوكرانيا .. بعيون محايدة - 6 - ضياء الناصري 

 

ماهي قصة معمل (أزوفستال) وكتيبة (آزوف)

في هذه الحلقة سوف أتناول اهمية السيطرة والاستيلاء على معمل أزوفستال للصلب والحديد الذي استولت عليه القوات الروسية بعد صمود كتيبة آزوف لأكثر من ثمانين يوما وتحصنت في داخله وذلك بعد احتلال مدينة ماريوبل من قبل القوات الروسية.
بذلت القوات الروسية محاولات حثيثة لاقتحام مصنع "آزوفستال للحديد والصلب" Azovstal Iron and Steel Works شرق مدينة ماريوبول الساحلية، هذه المدينة التي تقع جنوب شرقي أوكرانيا، إلى أن الرئيس فلاديمير بوتين طلب من وزير دفاعه، عدم اقتحام المصنع حفاظا على أرواح جنوده، وطلب الاستعاضة عن ذلك بمحاصرة المصنع الذي يعد المعقل الباقي لأوكرانيا في هذه المدينة.
فما هو تاريخ هذا المصنع وأين تكمن أهميته وماذا عن تفاصيل خريطة بنائه؟
تمتد جذور مصنع ازوفستال التاريخية إلى الحقبة السوفييتية سابقا، ويملكه حاليا رينات أحمدوف (أو أخميتوف) المُصنّف واحداً من أكبر الصناعيين والمصدرين الأوكرانيين، ويعود تاريخ بناء المصنع إلى 2 فبراير/شباط 1930، حين أصدر "المجلس الأعلى للاقتصاد الوطني السوفييتي" قراراً بإنشاء المصنع كواحد من أكبر مصانع المعادن والصلب على مستوى العالم، وبدأ عمليا تشغيل أوّل أفرانه عام 1931، قبل أن يُستكمل بناؤه تماما سنة 1933.
لكن القوات النازية ما لبثت أن دمّرت المصنع بالكامل أثناء تراجعها تحت وطأة ضربات الجيش السوفييتي عام 1943، إبّان الحرب العالمية الثانية، قبل أن تبدأ ورشة إعادة إعماره في العام التالي. لكن وبعد تفكك الاتحاد السوفييتي عام 1991، سلك "آزوفستال" طريقه الى الخصخصة، لتستقر ملكيته في نهاية المطاف بين يدي أحمدوف الذي يمتلك الشركة المستثمرة للمصنع "مِتإنفست" Metinvest وقدّرت مجلة فوربس ثروة (احمدوف) بنحو 7.6 مليارات دولار عام 2021.
على أثر انطلاق الأعمال الحربية في فبراير/شباط 2022، أُصيب المصنع بالشلل، بعدما كان يُنتج سنويا في زمن السلم 4 ملايين طن من الفولاذ و3.5 ملايين طن من بقية المعادن و1.2 مليون طن من الفولاذ المجلفن أو المغلون (كما يسمى في العراق وبعض الدول العربية)، أي الفولاذ  الذي يخضع لعملية كيميائية تمنعه من التآكل.
وتقع المنشأة العملاقة في منطقة صناعية تطل على بحر آزوف ويشغل مساحة تتجاوز 11 كيلومترا مربعا، ويضم عددا كبيرا من المباني المقاومة للانفجارات وفيه مسارات للسكك الحديدية والأقبية والأنفاق تحت الأرضية، وفقا لصحيفة ذي غارديان البريطانية.
ويرى المراقبون في المدينة الصناعية التي يقع فيها المصنع موقعا استراتيجيا مهما تتطلع القوات الروسية للسيطرة عليه، لأنها تربط الموقع بالأراضي التي يسيطر (الانفصاليون) الموالون لروسيا في الشرق بمنطقة القرم، والتي سبق أن استولت موسكو عليها عام 2014.
ونقلت صحيفة واشنطن بوست الأميركية عن المستشار في جماعة دونيتسك الشعبية الانفصالية الموالية لموسكو، يان جاجين، قوله لشبكة الأخبار الروسية الحكومية ريا نوفوستي: "تحت المدينة توجد مدينة أُخرى"، مشيرا إلى أن الموقع المحصّن مصمم لتحمّل القصف والحصار، ويحتوي على نظام اتصالات وأنفاق تسهّل على القاطنين فيه الانتقال من المدينة وإليها، ويقال بانه مصمم ضد القنبلة النووية.
في عام 2014، نظّم عمال الصلب في "آزوفستال" حراكا لاستعادة السيطرة على مدينة ماريوبول بالقوة من (الانفصاليين) الموالين لروسيا، حيث انقلب أحمدوف على أتباع روسيا، ورفض دعم الغزو الروسي، ورغم خلافه مع الرئيس فولوديمير زيلينسكي، ساعد في تمويل الحكومة بدفع 34 مليون دولار دفعة ضريبية مُقدّمة، علما أنه شغل منصب نائب في البرلمان عن حزب المناطق الموالية لموسكو، واتُهم بالتورط في عالم الجريمة الغامض وبامتلاكه صلات مع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.
ويشكل المصنع مدينة كبيرة مترامية الأطراف على طول الواجهة البحرية لمدينة ماريوبول، ويضم عددا كبيرا من المباني المقاومة للنووي والانفجارات ومسارات السكك الحديدية والأقبية والأنفاق تحت الأرض. ولا يبدو المبنى من الداخل على ما هو عليه من الخارج، إذ يضم مدينة سفلية مشيدة على طول شبكته الجوفية.
المعمل يتكون من سبع طوابق تحت الارض، ففي طبقته التحتية الأولى، يوجد طابق مزيف للتمويه يضم المواد الصلبة والتعدين والمواد الخام ليوحي بأنه وحدة تخزين نهائية.
ويخفي الطابق التمويهي مدينة سرية تبدأ بالظهور كلما تقدم المرء نحو عمق الأرض، حيث توجد طبقة سفلية ثانية، وتحتها طبقة أخرى تتكون من مزارع تنبت فيها مختلف أنواع الفواكه والخضراوات، بحيث يكون مطعم المصنع قادرا على تحقيق اكتفائه الذاتي، خاصة في الظروف الطارئة، وهو ما يفسر صمود المقاتلين الأوكرانيين المرابطين بداخله طيلة فترة محاصرته.
وفي أسفل المنشأة الصناعية، توجد طبقة إضافية فيها مقهى وورشة، وتحتها طبقة تضم مساكن للقاطنين، بينما توجد في آخر الطبقات وحدة نظام ترتبط بوحدات التحكم موزعة على كل أجهزة الكمبيوتر العاملة في المدينة الصناعية، وبنظام اتصالات متطور، ما يجعل المقاتلين داخله قادرين على التواصل مع الخارج ومراقبة الحركة في محيط المبنى عبر كاميرات المراقبة المنتشرة في أرجائه، هذه المعلومات المتاحة والتي قمنا بجمعها من بعض ما كتب او قيل عن المصنع، لكن هناك موضوعين مهمين اخرين الاول هو تحصن عدد كبير من المدنيين الى جانب العسكريين خلال الفترة الماضية والذين خرجوا في نهاية المطاف بعد استسلام كتيبة آزوف
اما الموضوع الثاني فهو كتيبة آزوف، فكتيبة آزوف هي وحدة يمينية متطرفة ونازيون جدد من الحرس الوطني الأوكراني، مقرها مدينة ماريوبول على ساحل بحر آزوف.حيث قاتلت القوات (الإنفصالية) خلال الحرب في دونباس عام 2014 وانتصرت عليهم. تشكلت آزوف في البداية كميليشيا متطوعة في مايو 2014.شهدت أول تجربة قتالية لها في استعادة ماريوبول من (الانفصاليين) الموالين لروسيا في يونيو 2014. في 12 نوفمبر 2014، تم دمج آزوف في الحرس الوطني الأوكراني، ومنذ ذلك الحين أصبح جميع الأعضاء جنودًا متعاقدين يخدمون في الحرس الوطني.
في عامي 2015 و 2016 اكتسبت الكتيبة الكثير من الاهتمام وحصلت على التعاطف من الحركات النازية الجيدة واستخدمت أيضاً الرموز النازية للتعبير عن شعاراتها. ممثلو آزوف قالوا إن الرمز هو اختصار لشعار «الفكرة الوطنية» (بالأوكرانية: Ідея Нації) بالحروف اللاتتينية (Ideya Natsiyi) ونفوا أي صلة بالنازية. في مارس 2015، قال متحدث باسم الكتيبة إن حوالي 10-20٪ من أعضائها هم من النازيين.
منع بند في قانون الاعتمادات الموحدة لعام 2018 الذي أقره الكونغرس الأمريكي - منع - المساعدة العسكرية لآزوف على أساس أيديولوجيتها المتعصبة للبيض لكنه ألغى لاحقاً الحظر على مساعدة المجموعة. أعضاء الكتيبة ينتمون لأكثر من 22 دولة مختلفة.
وسبق أن كشف المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، أن بوتن يشير إلى خطط موسكو لتحرير أوكرانيا من "النازيين الجدد" وأنصارهم وأيديولوجيتهم، لافتا إلى أن كييف اجتذبت ما يسمى "الكتائب الطوعية"، وهي حسب التوصيف الروسي مجموعات من القوميين المتعصبين بتمويل وتجهيز رجال الأعمال الأوكرانيين المقربين من حكومة ما بعد 2014.
ووفق صحيفة "واشنطن إكزامينر" الأميركية، فإنه من المرجح أن بوتن كان يشير إلى "مقاتلي آزوف"، عندما قال إن جزءا من الهجوم الروسي الجاري حاليا، يرمي إلى "اجتثاث النازية" من أوكرانيا.
في النهاية القت الكتيبة سلاحها واستسلم الاف الجنود وانتشرت صورهم التي اثرت كثيرا على معنويات الجيش والشعب الاوكراني الذي راهن كثيرا على هذه الكتيبة، ومن جهة اخرى فان موسكو تتحدث عن عدم شمول مقاتلي كتيبة آزوف بأي عملية تبادل للاسري إذ انها تعتبر ازوف مجرمي حرب لا أسرى حرب وتنوي محاكمتهم بتهم الإرهاب، لكن كل ذلك مرهون بمتى وكيف ستبدأ المفاوضات ومن هو الطرف القوي فيها كي يفرض شروطه التفاوضية. 
كييف / مايو / 2022
وللحديث تتمة ..