تواجه الصحافة الورقية بكل مقوماته وجذورها وكافة وسائلها ومساحاتها الاعلامية انحدار وتذبذب واسع من روادها وعشاقها وقد تبين ذلك من خلال المبيعات ومايرد الى مقر الصحف يوميا , بعد أن عزف منها الكثير من القراء وغادروها بهدوء رويدا دون رجعة ولا اتصور ان الزمن كفيل بان يعيد لهذه الصحافة التي ذاع صيتها وبرزت بشكل علني في الوطن العربي بعد الاتصال بين الشرق والغرب عن طريق حملة نابليون على مصر , وقد تكلل هذا بدخول مطابع ادخلها الفرنسيون الى مصر واصداروا جريدتين باللغة الفرنسية ناطقة بالجيش الفرنسي وسياسته في مصر والاخرى باللغة العربية خاصة بالمصريين وكانت تصدر كل خمسة الى عشرة ايام , ومن هنا بدات الانطلاقة لغزوا عقول الناس وتثقيفهم وتشجيعهم على المطالعة والكتابة بعد ان وجدوا مايسهل تنفيذ مآربهم ونشر افكارهم بشكل سريع , وكانت الصحافة في ذلك الوقت تحمل سيفا لاقلما كونها تحارب الاستعمار العثماني وتدعوا من خلال الكتابة لتأسيس منظمات سرية وجمعيات علمية ومنتديات ثقافية لمحاربة ذلك العدوى وتمتاز بموضوعيتها وجدها في ايصال تلك الافكار الى كافة شرائح المجتمع لبث الحماس في نفوسهم , ولايختلف الامر في العراق ايضا أن مدحت باشا قد اصدر جريدة الزوراء عام 1869/ وهي اقدم جريدة كانت البداية تقتصر على التعليمات والارشادات والاعلانات الخاصة ثم توسعت الى مناخات واسعة تضم كتاب ومفكرين من الرعيل الأول وسمح ذلك الوالي الذي تثقف وتسلح بثقافة اوربية ان ينشر الوعي والارتقاء داخل المجتمعات البدائية كنقطة تحول ,ولم يدم حكمه على العراق طويلا , مايهمني بالامر ان الصحافة اليوم في الغرب تعاني قلة روادها بعد ان انتزعت جماهيرها ومحبيها بسبب التطورات والتقنيات السريعة للاعلام الرقمي وظهور الانترنيت والاجهزة المتطورة بحيث اصبح لدى القارئ مكتبة وغزارة من المعلومات داخل البيت لاتكلفه عناء ولاوقت ولاثمن في الحصول على اي معلومة ,وكانت الدول الغربية هي اكثر من الدول العربية تركا للصحف الورقية وقد اغلقت مطابع كثيرة وسرح عمال في الدول الكبرى بسبب الخسائر , اما نحن في العراق فإجد ان الصحافة الورقية اصبحت تباع على الرصيف باعداد وباسعار زهيده , وفي منطقة باب المعظم كون هذه المنطقة هي تجمع للكليات والمعاهد وقريبة من المكتبة الوطنية تباع الصحف كل ستة الى سبع صحف بمبلغ الف دينار ,هذا لايعني ان الناس لاتقراء او ابتعدت عن الثقافة لكن وجدوا من ينقلهم من عالم المعرفة الورقية الى عالم الثورة المعلوماتية الرقمية وانعكس ذلك على بيع الكتب والمجلدات واثناء اقامة المعارض الثقافية في العراق لو قارنا رواد تلك المهرجانات او المعارض الخاصة بالكتاب سابقا وحاليا لو جدنا ان هنالك فرق شاسع وكبير واصبحت المعارض يتيمه يتردد لها بعض من الذين كانت لديهم تقارير او بحوث او طلبة الدراسات العليا الا نفر قليل من القراء قد صمدوا امام تلك التطورات والتكنلوجيا ومع ذلك فهم قليلون , وفي احدى الدراسات المستفيضة نشرها مركز الجزيرة للدراسات حول العلاقة بين الصحافة الورقية والالكترونية وتضمنت الدراسة معلومات قيمة مشخصة اسباب انيهار الصحفة الورقية وكيفية معالجة ذلك الانهيار وتبحث الدراسة في مسارات في التحولات التي تشهدها الصحف الورقية في العالم العربي , كما ذكر البحث تقريرا عن نشأة الصحافة الالكترونية واسباب سرعة الانتشار , وتعود نشأة الصحافة الإلكترونية إلى بداية السبعينات مع ظهور خدمة التيليتكست عام 1976 كثمرة تعاون بين مؤسستي "بي بي سي" و"الإندبندنت برودكاستينغ". ثم مع ظهور نظام بريستيل (Prestel) وولادة خدمة الفيديوتكست عام 1979 على يد مؤسسة British Telecom Authority البريطانية "وبناء على النجاح الذي أحرزته المؤسسات المذكورة في توفير خدمة النصوص التفاعلية للمستفيدين، دخلت بعض المؤسسات الصحفية الأميركية في منتصف الثمانينات على الخط، وبدأت في العمل على توفير النصوص الصحفية بشكل إلكتروني إلى المستفيدين عبر الاتصال الفوري المباشر" ,ومع كل مايطرح اليوم حول سرعة التطورات وانفتاح العالم الغربي والعربي على الحضارة نستطيع ان نقول يبقى الكتاب الورقي والقلم هو افضل المحاكاة للعقل والعين ويميز الصحفي والكاتب عن غيره لأن الكتابة سابقا تتطلب جهد وفكر وخزين من المفردات التي يتم حصرها في العقل ليستنبط اثناء كتابة المقال او تأليف الكتاب, اما اليوم فلا يحتاج الصحفي والكاتب لبعض المفردات والصيغ المترادفة للكلمات يستطيع ان يدخل على محرك الكوكل ويقتصر الوقت والزمن وليجد ما يبحث عليه بعناويين وكلمات براقة , من هنا اجد ان الكاتب والمؤلف سابقا يفوق غيره بما يمتلك من ذهن وثقافات متنوعة يحملها نتيجة الظروف التي مرة عليه في البحث والتاليف,لهذا أصبح رواد الصحافة الورقية قليلون والصحفيين والمواقع الالكترونية في تزايد كل يوم .