الرواية اشبه بسيرة ذاتية للكاتبة لدقة وصف احياء بغداد واحداثها . فهي تحكي سيرة فتاة بغدادية تسرد احلامها وايام عيشها في محلتها قرب ساعة بغداد في سنوات الثمانينات والتسعينات من القرن العشرين التي صادفت حروب صدام العبثية (حرب الثمان سنوات مع ايران وحرب احتلال الكويت وحرب الخليج الثانية ). رواية تصف شعور فئة من الناس وتعكس حياتهم في اخر سنوات الطاغية الطائفي صدام ، الذي قسّم بغداد فجعل كل احياءها الغنية والمخدومة والنظيفة من حصة ابناء طائفته عربا واكرادا او مسيحيين، بينما ارتضى لاغلبية سكان بغداد الشيعة ان يسكنوا الضواحي البعيدة عن قصوره والاحياء الفقيرة والقذرة عديمة الخدمات على مشارف العاصمة في احياء المعامل والحسينية ومدينة الثورة (الصدر لاحقا) والشعلة وغيرها ..
بعد قراءة الصفحات الاولى من الرواية يرتسم في ذهن القارئ الانطباع بان الكاتبة من اولئك الذين كانت احلامهم لا تشبه احلامنا (نحن غالبية سكان العراق بغداد) وانها كما اسماءهم لا تشبه اسماءنا : مروان ونادية وفاروق وبيداء ومروة ووجدان وريتا ومناف وشوكت واسامة وسالي وو.... واظن القارئ بات يعرف لماذا ليس من بين اسماء سكان تلك المحلة من هو باسم: عبد الرضا اوفاطمة اورقيّه ...... ليس من قبيل الصدفة ان تجتمع كل تلك الاسماء في محلة واحدة لو لم تكن توزيعتها طائفية ...او كانت الاسماء من بنات مخيلة روائية لو لم تكن طائفية !!!!
لقد كان من العدالة التي غابت لقرون بعد سقوط صدام ان يعاد تقسيم بغداد طبيعيا فيسكن من يشاء من العراقيين اين يشاء من بغداد حتى لو شاء الشيعي سكنى حي التشريع (الذي كان مغلقا لغير الشيعة) فبامكانه ذلك لان الكل باتوا عراقيين من الدرجة الاولى ...ولكن للاسف هذة العدالة لم تعجب من تنعم بعهد الطاغية ونال الحضوة والاثرة دون الاخرين ومنهم اهل شخصية الرواية.... ان القارئ يحس في غضون الرواية ان شخصية الرواية تبكي دما على محلتها التي كانت جميلة وادعة هانئة حتى زحف الى سكناها "الغرباء" الذين اعادوا طلاء الدور بالوان صارخة والذين يكتبون على ابواب بيوتهم (هذا من فضل ربي) ..... نعم هكذا تسميهم. وما اخالهم الا عبد الرضا وابو فاطمة الذين امتلكوا بعد سقوط حكم البعث ما يسمح لهم بسكنى محلة "شخصية الرواية" التي قامت قيامتها لتلك المعادلة الديمغرافية وباتت تولول مستعبرة ، كان الصهاينة الغرباء قد غزو محلتها البغدادية !!!
اجواء الرواية تشي بان الحيّ كان مجتمعا منتقى بعناية لسكنى من يرتضي صدام جوارهم الى جوار قصوره ومدينته المحرمة في حي التشريع قرب ساعة بغداد (ارقى احياء بغداد) .. فالحي في الرواية ينطبق تماما على مجتمع رجالات السلطة وقتئد ، من بنيت لهم (من دون بقية العراقيين) الملاجئ الخرسانية المحصنة من الغارات الجوية في حرب 1991 لحمايتهم وعوائلهم من ان تمسهم الحرب بسوء.... فيما كانت صواريخ الامريكان واسلحتهم تمزق اشلاء (عبد الرضا وابو رقية) المدافعين عن العراق على الجبهات او العزّل في شوارع بغداد....
شخصية الرواية تشتاق لايام محلتها وتتذكر بلوعه رومانسية وضع ام "فلان" لقناني البيرة على منضدة ابو "فلان" في حديقة بيتهم التي تتوسط الازهار وتصدح حولها الاطيار ......وتبكي الزمن الجميل الذي تغير فاشترى دار "ابو ريتا" من كتب على مدخل بيته (هذا من فضل ربي). الروائية تلعن الاحداث التي سمحت بهذا التحول بان يهاجر سكان المحلة المنسجمين طائفيا (وان لم تعلن ذلك الكاتبة) الى بلدان العالم الغربي وان يسكن بدلهم الغرباء " اعداء طائفة الكاتبة"!!
ان الكاتبة من طراز الجيل الذي غذيّ كره "العراقي الغريب" منذ نعومة اضفاره . فهي يهولها تسلق الطبقة المسحوقة الدنيا بعد 2003 وتطاولها لامتلاك امتيازات "الطبقة الوسطى" التي تدعي انها تنتمي اليها. انها بشعورها او دون ان تشعر من ذوي الطبقة الحاكمة او المستفيدة من الحكم وقتئذ ، الذين فقدوا امتيازاتهم مع سقوط حكم صدام.... فضاق العراق بهم على رحابة ارضه فهربوا بما خف حملة الى الاردن وسوريا اولا ثم طاب لهم المقام في ارض اولاد "العم سام" الغزاة "غير الغرباء" فارتضوا بهم جيرانا بعد الجيران وارتضوا بجنسيتهم ثم يبكون على بغداد ان احتلها "الغرباء" ويقصدون اهلها من الشيعة!!!
شخصية الرواية في احلامها كانت ترى ان نبوخذ نصر وعشتار يجلسون في مطعم يخدمهم فيه نادلا (كسرى يزدجرد) دون غيره من اباطرة الدنيا الذين غزو العراق ..في اشارة لا تخفى على اللبيب !!!!
ليس الغريب ان يكتب احدنا بطائفية مقيتة دون ان يشعر..... بل الاغرب ان يجد لما يكتب صدى هائلا وان يطبع ما يكتب 14 طبعة لحد الان وان تفوز بجوائز مهرجانات كمهرجان ادنبرة للكتاب عام 2018