مكافحة الفساد ليست كلاما إعلاميا للاستهلاك المحلي ولن تكون ترفا فكريا يتم تداوله في المزايدات السياسية بين الأحزاب المتنافسة مثلما لن يكون شرطا لتحسين الصورة والاساءة الى الصور المقابلة بل هو وقائع وحوادث يشار لها بالبنان وبشجاعة ويقوم القضاء والأجهزة الرقابية بمتابعته وتجريم رموزه واشخاصه والمتسبيين في العبث بالمال العام .
فمنذ العام 2007 قمت باستحداث "دائرة مكافحة الجريمة الاقتصادية " حيث كنت على راس وزارة الأمن الوطني وتابعت بنفس القوة والاهتمام ملفات الفساد في مختلف مستويات الدولة فعندما كنت نائبا في البرلمان العراقي مثلما كانت وقفة استجواب مع امين بغداد الأسبق صابر العيساوي شهدت جدلا واسعا في أروقة البرلمان وفي الحياة الوطنية العامة وربما أفضت هذه الاستجوابات عن فتح باب المساءلة واستهداف رموز الفساد في الدورات البرلمانية التالية.
ففي العام 2012 عندما كنت نائبا وضعت يدي على مئات الملفات التي أخذت طريقها فيما بعد الى الجهات القضائية والادعاء العام والنزاهة .
ومن بين هذه الملفات ملف أمانة بغداد الذي كان وسيبقى من الملفات الخطيرة التي استهان بها من كان على راس ادارة الأمانة بالقوانين والتعليمات والإجراءات الحكومية والمعيارات الأخلاقية في ادارة المصالح العامة في الدولة العراقية حيث كان فساد الأمانة هو الأعلى في مؤسسات الدولة.
على الفور باشرت عملية الاستجواب بجدية مستعينا بذهنية الخبير القضائي والمهندس الاستشاري المتدرج الذي عمل مع كبريات الشركات الدولية مثل هيونداي وشركات الفيديرالية اليوغسلافية وشركة الغانم واسد وعدد كبير من الشركات الرصينة منذ العام 1979حتى عام 2003.
في ذات الوقت كان المتحمسون لمكافحة الفساد قلة اذ لم يكن الغطاء قد تكشف عن الفاسدين كما هو اليوم .. وفي تلك الفترة تلقيت ما يشبه النصيحة عدم الاحتكاك بالملفات الخطيرة أو الاقتراب من ملفات الفساد الكبرى كملف مؤتمر القمة ومشاريع أمانة بغداد وغيرها واذا بقيت مصرا على متابعة هذه الملفات بالكشف والمتابعة والتنقيب فإنك ستغادر مضطرا العملية السياسية !.
اجبت من حمل لي هذه النصيحة بالقول :ساغادر وانا مرتاح البال .
اليوم وقد تكشفت ملامح واحدة من اهم ملفات الفساد وفي أمانة بغداد ليس من المروءة ان اشمت وانا في شهر رمضان المبارك على هامش الحديث عن القاء القبض على السيد نعيم عبعوب من قبل السلطات السورية هربا من حكمين قضائيين صدرا بحقه على خلفية ملفات الفساد وقبله لايزال يمكث في السجن أمينا بغداد السابقان صابر العيساوي وعبد الحسين المرشدي وعدد من المدراء العامين .
قلت...ليس من المروءة ان يكون المرء شامتا لكنها الاعتبارات والمعايير الوطنية التي تؤكد على ضرورة التصدي الحازم للفساد والوقوف بوجه الفاسدين ولم نكن ونحن نتصدى لهذه الآفات واثرها على المجتمع والدولة والمصالح العامة ماخوذين بهوى شخصي أو حزبي رغم العروض والمغريات التي تسللت الينا عبر الوسطاء مقابل التراجع عن قرارنا باستجواب الفاسدين وثنينا عن متابعة دورنا الرقابي تحت قبة البرلمان .
هنا وعلى هامش ما جرى لأمين بغداد الأسبق وحوادث مشابهة اقدم نصيحة لكل الذين يتحدثون عن الفساد ومحاربة رموزه سواءا كانوا زعماء أو أفرادا أو جهات رقابية وهي عدم التطرق الى الفساد بالكلام المستهلك أو ركوب موجة الحديث عن الفاسدين بهدف تصفية حسابات سياسية معينة حيث يفترض ان تقدم وثائق دامغة لايرقى اليها الشك وبدورها ستشكل تلك الوثائق والأدلة رسالة الى الفاسدين انهم لن يكونوا بمأمن من الاستهداف القضائي وسيكونون صيدا سهلا اذا ماازيح عنهم الغطاء السياسي والاعلامي والسلاح الذي يحميهم .
لقد كنت وحيدا وكان معي قلة من النواب في معركة الدفاع عن المصالح الوطنية في مواجهة فريق الفساد ايام استجوابي للسيد صابر العيساوي وفي مواجهة 16 وسيلة إعلامية ومعها العبوات الناسفة التي وضعت امام داري ودور اخوتي في ذي قار
رغم ذلك لم ننثني ومارسنا دورنا الوطني ومضى الحق الى غايته ومضى الفاسدون الى أماكنهم.. ليعرف الفاسدون ان عين الله ترى كل شي وستتدخل ولو بعد حين .
ان المطلوب من القضاء العراقي والجهات الرقابية ليس الاكتفاء بحبس المتهمين والعابثين بالمال العام وهو امر لايضيف لنا وللعراقيين امتيازا وانما المطلوب استرداد الأموال العراقية المنهوبة..