ما فرّقته السياسة في العراق، على مدار سنوات مضت، جمعته مائدة إفطار رمضانية لمت شمل أبناء البلاد بكل مكوناتهم وأطيافهم. فقد احتضنت مدينة الأعظمية، وسط العاصمة العراقية بغداد، عند مغرب الـ19 من رمضان الجاري مبادرة شبابية تحت عنوان "لمة وطن". المبادرة نظمتها مجموعة من المتطوعين الشباب من مثقفي المدينة؛ بهدف لم شمل العراقيين، حيث عمل فريق المبادرة على نصب مائدة إفطار يزيد طولها على 500 متر. وامتدت المائدة من قرب جامع "أبي حنيفة النعمان" حتى حدائق النعمان وسط الأعظمية، وقُدمت خلالها خدمات كبيرة للضيوف وسط أجواء جميلة مليئة بالألفة والمحبة بين الحاضرين. وفي حديث له قال مسؤول المبادرة، الشيخ محمد سمير: إن "لمة وطن تطوعية خيرية إنسانية تحمل رسائل وطنية وتهدف إلى إفطار الصائمين وجمع العراقيين وتوحيد كلمتهم واجتماعهم على مأدبة إفطار واحدة تضم المسيحي مع المسلم، والسني مع الشيعي، والعربي مع الكردي". وأضاف سمير: إن "المبادرة كانت بجهود شخصية وتمويل ذاتي من قبله وعدد من المتطوعين من أبناء مدينة الأعظمية، ودون أي دعم من الحكومة أو أي جهة سياسية". وأشار إلى أن" بعض الجهات السياسية التي رفض تسميتها مانعت بشدة إقامة مثل هذه المبادرة لجمع العراقيين"، لافتاً إلى إن ذلك وصل حد التهديد". واستدرك: "لكن إصرار المسؤولين على إقامة المبادرة كان السبب خلف نجاحها، خاصة بعد التنسيق مع القيادة الأمنية التي رحبت بالفكرة، وأغلقت الطرق المؤدية إلى مكان المأدبة حفاظاً على أرواح الناس". من جهته قال الإعلامي قاسم الطائي، في حديث له: إن "المبادرة لم تكن الأولى التي قامت بالمدينة، كما أنها لن تكون الأخيرة؛ لأن الأعظمية سباقة لفعل الخير". وأضاف: "مائدة الإفطار ضمت مختلف مكونات وقوميات الشعب"، لافتاً إلى أن" الهدف من هذه المبادرة الخيرية التطوعية هو توحيد الصف العراقي ونبذ الطائفية في العراق". وفي السياق عبر مواطنون عراقيون ورجال دين عن شكرهم وامتنانهم لأهالي الأعظمية لإقامتهم المبادرة، لما تحمله من رسائل تؤكد وحدة العراقيين. وقال رجل الدين، مهند الياسري: إن الأعظمية مدينة الإمام أبي حنيفة النعمان، كانت وما زالت رمزاً للوحدة ونموذجاً للتعايش السلمي في العراق، كما أن أهلها دائماً سباقون لفعل الخير وإقامة مثل هذه المبادرات. وأضاف الياسري: "المبادرة بعثت رسائل حية إلى الأصوات الطائفية النشاز؛ مفادها أن العراقيين بكل مكوناتهم كالجسد الواحد". وبعد مرور أكثر من 15 عاماً على سقوط نظام صدام حسين، لا يزال العنف والتوتّر بين السنة والشيعة والأكراد يهدّد استقرار العراق وديمقراطيته الهشَّة. وفشلت النخبة السياسية العراقية في تطوير نظام للحكم شامل للجميع، وتعزّزت الانقسامات الداخلية بسبب تداعيات الربيع العربي.