أصبح السوق القديم في قلب بغداد، الذي كان يضج بالحركة والنشاط والزوار والبائعين، يزداد هدوءا وفراغا عاما بعد عام. صار سوق الصفافير الشهير في المدينة، أو سوق الصفارين، معرضا لخطر الاختفاء التام، حيث تحل متاجر الأقمشة محل الورش في الشارع الذي يمتد بطول 500 متر. وقال منير ربيع، وهو واحد من عدد قليل من الحرفيين الذين يعملون في النحاس المتبقين في السوق، إن هذا الشارع كان مليئا بالعمال المهرة الذين يحفرون تصميمات معقدة في صفائح النحاس أو تشكيل أواني القهوة وأدوات منزلية أخرى. وأضاف "سوق الصفافير انتهى هسة قلتلك قلة، شكم واحد تلقاه هنانة ده ينقش.. كان سوق الصفافير كله هنانة لما تدخل ما تسمع.. هذا يصنع الجلة، هذا يصنع الجدر، هذا يصنع الصينية، يعني مالك صوت كله من الطرق والدق، كله هذا الصفافير، هسة تحول كله قماش، قلة ذاك من ذاك الي بقى". ويشير الحرفيون العاملون في تصاميم النحاس إلى عدة أسباب وراء تقلص عدد المتاجر. وأحد العوامل الرئيسية تدفق النسخ المقلدة شبه الأصل الهندية أو الصينية الأرخص سعرا على السوق. وعلى سبيل المثال، يباع وعاء القهوة محلي الصنع بسعر يتراوح بين 30 و40 ألف دينار عراقي (25 إلى 33 دولارا)، بينما يباع الوعاء المستورد بأقل من 15000 دينار (12 دولار). ويقول الحرفيون إن من الصعب إقناع المستهلك العراقي العادي بشراء المنتج محلي الصنع. ويقول زبون في السوق يدعى كاوة "سوق الصفافير هي تعكس ثقافة العراق القديمة، بس مع الأسف هسه إلي ده تشوفه ده تنقرض هي المهنة، ومهنة كلش مهمة، ده أشوف شغل صيني وشغل هندي، والعراقي ده ينقرض مع كل أسف، يعني هي هاي ثقافة عراقية ده تنقرض. نتمنى هي الصنعة يعلموها للجيل الجاي، حتى تبقى أجيال ورا أجيال وتكسب المهنة هذي". وقال الحرفيون إن تجارتهم تأثرت أيضا بتراجع السياحة. وقال إحسان الصفار، الذي يعمل في متجره منذ عام 1993 بعد أن ورثه عن والده، إن هذه الصناعة راكدة منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للبلاد في عام 2003. وأضاف الصفار "الأسباب هواية، أولاً السبب الأمني.. سياحة ما عندنا بعد.. واثنين المستورد طب علينا.. المستورد قام ييجي بفلس ونص.. مضاربة علينا بالأسعار بشكل مو طبيعي يعني.. وهي أمور يعني.. الناس إلي هي كانت تدور هل الأمور أو تتقلدها طلعت برا". وقال الصفار إنه يتعين على الحكومة ان تقدم المزيد من الدعم لأصحاب المحلات والمتاجر الباقين وحماية السوق باعتباره مكانا تراثيا. وتمتد هذه المهنة لكثير من العاملين بها في سوق الصفافير عبر الأجيال. فأمير عبد المحسن بدأ التعلم وهو في سن السابعة عندما كان يأتي بعد المدرسة ويشاهد والده وجده وهما يعملان. ويعد الرجل البالغ من العمر 58 عاما الجيل الخامس الذي يتعاقب على حيازة المتجر، وقد شاهد الكثير من أصدقائه يغادرون البلاد بحثا عن فرص في أماكن أخرى. ويشعر عبد المحسن بالقلق من أن الحرفة قد تتلاشى مع تضاؤل ??عدد الشباب الذين يتعلمونها، لكنه لا يزال يأمل في حدوث بعض التغيير. وقال "نتمنى الأمور تصير زينة إن شاء الله.. والسوق هذا يرجع مثل ما كان قبل لأن كل دولة موجودة فيها سوق صفارين وتراث والناس تيجي سياحة وتيجي تزور هالمكانات السياحية وتشوفها، تتعرف عليها".