أحتفي اليوم بأربعينية حداداً على علم عانقه العلا تحطه الأقدار من رفيع الجواء إلى الظلمة الرمس وهاهي نار الوجد تلتهب ودموع الأسى يعتصرها الخطب من سويداء القلوب .
الحاج أبا مجاهد برحيلك هيجت الهوى ,عليك انثنى القلب وبكى , كانت طاعة الله عندك مجدا ساميا بضياء , كان لسانك يلهج دائما بالمنية والقضاء.
خذ مني أحلى من زهور مودتي , يا أفضل الاحباب جوابك فأبعث ولو قليل ...
إليك من روح الفؤاد رسالة أعطرها بالشم والتقبيل , أبي تفديك الروح والمقل, يابلسم الداء وشفاء العليل, ما نفعني البكاء وما جنيت من العويل , فراقك لظى نارا لها شررا, بذكرك أرضي مهجتي , بطيفك والدي يشفي غليلي.
حياته جهاد وخطبه نشيد ومنهاجه دستور , هويته الايمان بالله وموالاة بيت الرسول , قابل الموت بابتسامة ساخرة من الحياة الدنيا ومات بلحظات , آخر كلمة ياعلي .
كان رائدة الواجب وحافزة الدين , في حياته لتاريخ ونسب قبيلته نصيب , عارف خفاياها وما غاب عن الأبناء والأجداد , ومواصل صلة الارحام وبني الإنسان .
قبل أن يقعده المرض ثمانية عشر عاما , عمل لصلاح ذات البين والآمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
سعى جاهدا ليعمر ويبني بيتا لله وواجه ما واجه من المعوقات والعراقيل هو وثلة مؤمنون إلى أن تم البناء ورفع على المأذنة نداء الله أكبر .
جاهد نفسه , فانتصر بالجهاد الأكبر وخرج منه بقوة نفسيته وفعاليتها التي يعلمها مراس محيطه ومن عرفه وتقرب منه .
ولم يتاجر بالجهاد الأصغر في دنياه , ظل سرا بين ثنايا صدره حتى علمت بعضه بالصدفة من بعض أصدقائه وبقى على العهد مع ربه حتى وفاته المنية .
كان ثائر على الظلم ومضحي بنفسه ونفيسه لإشادة الحق ويقوله ولو على نفسه .
هاكم الرجل النفحة من روض وجدان الإنسانية , لم يكن فقده فقد أمرئ جاء وراح كما تجيء وتروح الحياة لم يغرف منه إلا وجوده المادي ولا حيزه الذي يشغله في الفضاء البشري , بل كان فقده فقد ضمير طاهر وفقد مجاهد صابر, لذا إذا تأوهت الرجولة لفراقه فإنما تتأوه رجلا قل نظيره في عصرنا ,وإذا تألموا صلة الارحام والاصدقاء لبعده فإنما يتألمون لقلبها المكلوم , وأن تساقطت الدموع فإنها تبكي غيابه وفقدان حقها المهضوم.
حفزه ضمير المؤمن وشجعته عقيدة الانسانية على السلوك المستقيم , عزيز النفس عفيفها لم يخدعه يوما هوى وحطام دنيا , لم يميل لصديق سفيه الرأي , ولا من شيمته الرياء , لم يتملق لسلطان أو صاحب جاه , همه دينه وما جاء من مبادئ القران .
مذ طفولته متمسك بالتقوى هذا ما أخبرني به معاصروه من كبار السن , اجتهد في أكل لقمة الحلال ولم يطعمنا غيرها , علمنا الاجتهاد في الحصول عليها من عرق الجبين , في مطلع شابه درس الابتدائية بمدرسة خفاجة في العام 1952م , ثم المتوسطة في قضاء الشطرة , أنتقل إلى بغداد وسط الخمسينات ليكمل دراسته الاعدادية في المدارس الجعفرية ببغداد , وحضر الدروس الحوزوية عند السيد أسماعيل الصدر والشيخ محمد حسن ال ياسين في الكاظمية , والشهيد الشيخ عارف البصري في الكرادة . ويحضر بين فترة وأخرى دروس الشهيد السيد محمد باقر الصدر في النجف الأشرف , كان صديقا للشهيد السيد مهدي الحكيم والشهيد السيد محمد باقر الحكيم .
انتقل من دائرة زراعة بغداد إلى دائرة الزراعة في البصرة لعدم انتمائه لحزب البعث ,وهناك أوكلت له مهمة رئاسة لجنة الاشراف على المناسبات الدينية من قبل العلامة السيد مير القزويني , وقام بفتح دورات دراسة علم المنطق في مكتبة السيد محسن الحكيم في منطقة الجمهورية بالبصرة بحدود بداية الستينيات .
طوال عمله الوظيفي في وزارة الزراعة إلى أن وصل بالتدرج إلى منصب مديرقسم كان مستقلا لا ينتمي لحزب إلى أن وافاه الآجل المحتوم .
عد نفسه لمثواه الأخير والدار الأبدية , حاول بكل ما أوتي من جهد أن يؤدي ما عليه من شرعيات حتى وضع كفنه نصب عينيه وكتب وصيته فصل فيها كل صغيرة وكبيرة .
أيها الراحل ..رحلت ولم ترحل ما ترك الغر المتطبعة في جبين الدهر بيضاء نواصع وستبقى خالدة ما تمادى بها العهد .
نم قرير العين رغدا فلقد لاقيت جزاء عملك وفاقا وقابلت ما أعدّ الله تعالى للمؤمنين العاملين .
رحمك الله يا حاج منعثر وكساك ثياب الرحمة والرضوان , وظلك بسحائب المغفرة الواسعة, وامطر عليك شآبيب ضياء عطفه ولطفه , وبرأك المثوى الكريم بين الصالحين الذين سرت على خطاهم ونهج سبيلهم ونسيج منوالهم , طيب الله ثراك وأجزل لك المثوبة وحسن المأب , إلى روحك الطاهرة أهدي ثواب الفاتحة والسلام عليك يا علم خفاقا في ساحة ميدان المجتمع و يوم طوتك المنية ويوم تنشر لنيل الثواب .