من يطالع التاريخ العربي والاسلامي، يجد وجودا كبيرا لرموز إصطنعتها كواليس السلطة، لتمكنها من تغيير وتزييف كثير من الحقائق، سعيا منها لسلب ميزات الأبرار وإلباسها بواسطة اقلام السلطة للأشرار.
صحيح أن هناك أحداثا واضحة لايمكن تغييرها لكن يمكن الإلتفاف حولها والدس لتغيير بعض وقائعها تخفيفا على السلطة والسلطان.. وهكذا حتى وجدنا ان الشيخ الطوسي مثلا يتهم بالتعاون مع ابن العلقمي مساعدا هولاكو في احتلال بغداد، فالمؤرخ هنا تناول النتيجة النهائية واقتطع اسبابها وبداياتها.. كرها وبغضا بالشيخ الطوسي وما يمثله.
ابن العلقمي وزير الخليفة العباسي نبه وحذر الخليفة وطالبه بالإهتمام بالجند وتجهيز الجيش دون جدوى، حتى حوصرت بغداد فضج الناس وأنكسرت معنويات الجيش المهمل اصلا، عندها لم يجد ابن العلقمي من حل الا بالتفاوض مع هولاكو لحفظ مايمكن حفظه من الأنفس والأموال في الدولة وبالإتفاق مع الخليفة الذي أراد بكل طريقة الحفاظ على حياته على الاقل.. الشيخ الطوسي بعد أن وشى به من وشى من علماء السوء لدى هولاكو، تمكن من نيل رضى واعجاب هولاكو بأسلوبه مما دفعه ليتخذه مستشارا..
كذلك ثورة العشرين التي قادتها حوزة النجف كما حشدت لمواجهة المحتل البريطاني قبلها، جاء التاريخ لتكتبه السلطة لتغفل دور النجف وعشائر الوسط والجنوب، وتبرز دور مقاول تعاون مع المحتل البريطاني وأستفاد منه ماديا وسلطويا..
اليوم هناك محاولات جديدة لتزييف حقبة البعث المظلمة على يد أقلام وأصوات بعثية اخفت إنتمائها وأدعت الحيادية، ومن هذه الأصوات قناة "وتلك الايام" للدكتور حميد عبدالله، الذي يعتمد على كبار البعثيين لرواية تاريخ حقبة البعث، ليتمكن من تبييض صفحتهم أو تبرير بعض جرائمهم ولو لاحقا.. دون إستماع لاي شخصية من ضحايا البعث أو من ثوار الانتفاضة الشعبانية على سبيل المثال.
حميد عبدالله هذا مستمر في تناول الأحداث وسيصل حتما لمرحلة دخول الإحتلال الأمريكي للعراق وسيغفل حتما مواجهة البصرة للإحتلال، وسيتغاضى عن ولائم الأنبار للجيش المحتل، وعن إتفاق شيوخ ووجهاء الموصل وصلاح الدين مع المحتل على الدخول سلميا مقابل حمايتهم من الحساب على جرائمهم مع صدام.
ينقل لنا الحديث المنقول عن الرسول قوله" المؤمن لايلدغ من جحر مرتين" وأتباع أهل البيت لدغوا عشرات المرات، فإن كانت المرات السابقة تعود لسيطرة الحاكم على كتابة التاريخ، كما في عهد صدام والعصور السالفة من حكم بني امية وبني العباس.
اليوم هناك فسحة لتدوين التاريخ كما هو أو على الأقل فضح المزورين، حتى لاتأتي اجيالنا لتقرا في زيارة عاشوراء" اللهم العن الاول ثم الثاني ثم الثالث..." وتقرا في المدارس الترضي عليهم!
وتقرا أجيانا أن الطوسي هو شيخ الطائفة وتقرا في المدارس أن الطوسي تعاون مع هولاكو لإحتلال بغداد!
تسمع ان السيد الشيرازي أفتى بثورة العشرين وأن ابطالها أصحاب نداء" الطوب احسن لو مكواري" ثم ليكتشف أن أبناء الشجرة الطيبة أصبحوا الشجرة الخبيثة لأنهم أذلوا الانكليز، ويشاهدون فلما عن ثورة العشرين، يبرز دور شخص آخر غير ثوارها الحقيقيون..
يجب على النخب الثقافية الشيعية وبدل الإنشغال بخلافات الأحزاب والتيارات، أن ينغمسوا مع عامة الناس في النقد والإنتقاد وفوضى ضياع الحقيقة، مطالبين بالتصدي للتزوير ومحاولة تدوين التاريخ كما هو، وهذا عمل يرضى رب السماء ويخدم الاجيال...