للسورة الشريفة جملة من الفضائل والخصائص , لعل ابرزها ما جاء في كتاب ثواب الاعمال عن الباقر عليه السلام : من قرأ انا أنزلناه في ليلة القدر فجهر بها صوته كان كالشاهر سيفه في سبيل الله ومن قرأها سرا كان كالمتشحط بدمه في سبيل الله ومن قرأها سرا مرات محا الله عنه ألف ذنب من ذنوبه .
بسم الله الرحمن الرحيم
إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ{1}
تستهل السورة الشريفة ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ ) , القرآن , على اختلاف بين المفسرين في الكيفية والتفاصيل , ( فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) , من ليالي شهر رمضان المبارك , شرفت وعظمت وميزت من بين الليالي , وقيل انها سميت ليلة القدر لأن فيها كل شيء في تلك السنة الى السنة التالية .
وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ{2}
تستمر الآية الكريمة ( وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ ) , تفخيم لشأنها وتعجيب منه .
لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ{3}
تستمر الآية الكريمة مضيفة ( لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) , فضل العمل بها خير من العمل في الف شهر ليس فيها ليس ليلة القدر , ويلحق نهارها بها .
تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ{4}
تستمر الآية الكريمة مضيفة ( تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا ) , تنزل فيها الملائكة , والروح يختلف في شأنه المفسرون , فمنهم من يرى انه جبرائيل "ع" , ومنهم من يرى انه روح القدس , ( بِإِذْنِ رَبِّهِم ) , نزولهم متعلق بإذنه جل وعلا , ( مِّن كُلِّ أَمْرٍ ) , قضاء الله تعالى الى السنة التالية .
( عن الصادق عليه السلام إن الروح أعظم من جبرئيل وان جبرئيل أعظم من الملائكة وان الروح هو خلق اعظم من الملائكة أليس يقول الله تبارك وتعالى تنزل الملائكة والروح .
عن الصادق عليه السلام قال إذا كان ليلة القدر نزلت الملائكة والروح والكتبة إلى السماء الدنيا فيكتبون ما يكون من قضاء الله في تلك السنة الحديث ) . "تفسير الصافي ج5 للفيض الكاشاني" .
سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ{5}
تختتم الآية الكريمة مضيفة ( سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ) , لا شر فيها , او هي تحية منه جل وعلا وملائكته على رسوله الكريم محمد "ص واله" وعلى جميع المؤمنين.
(عن السجاد عليه السلام يقول يسلم عليك يا محمد ملائكتي وروحي سلامي من أول ما يهبطون إلى مطلع الفجر , وكان من دعائه "ع" في دخول شهر رمضان المبارك " سلام دائم البركة إلى طلوع الفجر على من يشاء من عباده بما احكم من قضائه" .
عن الصادق عليه السلام قال اري رسول الله صلى الله عليه وآله في منامه أن بني امية يصعدون على منبره من بعده ويضلون الناس على الصراط القهقرى فأصبح كئيبا حزينا قال فهبط عليه جبرئيل فقال يا رسول الله صلى الله عليه وآله ما لي أراك كئيبا حزينا قال يا جبرئيل إني رأيت بني امية في ليلتي هذه يصعدون منبري من بعدي يضلون الناس عن الصراط القهقرى فقال والذي بعثك بالحق نبيا إني ما اطلعت عليه فعرج إلى السماء فلم يلبث ان نزل عليه بآي من القرآن يؤنسه بها قال افرأيت إن متعناهم سنين ثم جاءهم ما كانوا يوعدون ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون وأنزل عليه إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر جعل الله تعالى ليلة القدر لنبية صلى الله عليه وآله خيرا من ألف شهر ملك بني امية .
عن ابن عباس قال ذكر لرسول الله صلى الله عليه وآله رجل من بني إسرائيل انه حمل السلاح على عاتقه في سبيل الله ألف شهر فعجب من ذلك عجبا شديدا وتمنى أن يكون ذلك في امته فقال يا رب جعلت امتي أقصر الامم أعمارا وأقلها أعمالا فأعطاه الله ليلة القدر وقال ليلة القدر خير من ألف شهر الذي حمل الاسرائيلي السلاح في سبيل الله لك ولامتك من بعدك إلى يوم القيامة في كل رمضان .
عن الباقر عليه السلام إنه سئل عن قوله تعالى انا أنزلناه في ليلة مباركة قال نعم ليلة القدر وهي في كل سنة في شهر رمضان في العشر الاواخر فلم ينزل القرآن إلا في ليلة القدر .
وعنه عليه السلام انه سئل عن ليلة القدر فقال التمسها ليلة إحدى وعشرين أو ليلة ثلاث وعشرين وفي رواية ليلة تسع عشرة وإحدى وعشرين وثلاث وعشرين قيل فإن اخذت انسانا الفترة أو علة ما المعتمد عليه من ذلك فقال ثلاث وعشرون .
وعن أحدهما عليهما السلام ان علامتها ان يطيب ريحها وإن كانت في برد دفئت وإن كانت في حر بردت .
وفي رواية العامة لا حارة ولا باردة تطلع الشمس في صبيحتها ليس لها شعاع .
وعن الصادق عليه السلام العمل فيها خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر ) . "تفسير الصافي ج5 للفيض الكاشاني" .
سورة البينة الشريفة
بسم الله الرحمن الرحيم
لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ{1}
تستهل السورة الشريفة ( لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ) , ليس جميع اهل الكتاب , بل الذين كفروا منهم , ( وَالْمُشْرِكِينَ ) , مشركي مكة , ( مُنفَكِّينَ ) , تاركي ما هم عليه من الكفر والشرك , ( حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ ) , والبينة هنا النبي الكريم محمد "ص واله" .
رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفاً مُّطَهَّرَةً{2}
تستمر الآية الكريمة ( رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ ) , بدل او بيان للبينة , ( يَتْلُو صُحُفاً مُّطَهَّرَةً ) , من الباطل , لا يمسها الا الملائكة .
فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ{3}
تضيف الآية الكريمة ( فِيهَا ) , في الصحف المطهرة , ( كُتُبٌ قَيِّمَةٌ ) , مكتوبات عادلة مستقيمة مطهرة عن الباطل , لا عوج فيها ولا تناقض ولا اختلاف .
وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَةُ{4}
تستمر الآية الكريمة ( وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ ) , في الايمان والتصديق به "ص واله" , او تفرقوا عما كانوا عليه , ( إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَةُ ) , كان اهل الكتاب يعلمون بظهور نبي اخر الزمان , وكان نعته وصفته مسطور في كتبهم , وكانوا عازمون وحازمي امرهم ان ظهر يؤمنوا به , لكنهم كانوا يتوقعون انه من بني قومهم , فما ان ظهر "ص واله" من العرب , خالفوه وتفرقوا عنه , اما بغضا له , او بغضا للعرب على الارجح .
وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ{5}
تستمر الآية الكريمة مضيفة ( وَمَا أُمِرُوا ) , في كتبهم "التوراة والانجيل" , او ما امرهم به "ص واله" , ( إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) , أي لا يشركون به , ( حُنَفَاء ) , طاهرين , او مستقيمين على دين ابراهيم "ع" , والذي يعتبر دين محمد "ص واله" امتدادا له , ( وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ ) , اقامة الصلاة في اوقاتها والمحافظة عليها , ( وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ) , ويدفعوا النفقة المستحقة على اموالهم لمستحقيها , ( وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ) , دين الملة المستقيمة .
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ{6}
تقرر الآية الكريمة ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ) , ليس جميع اهل الكتاب , فحرف الجر ( من ) هنا يدل على التبعيض , أي الذين كفروا منهم بالخصوص , ( وَالْمُشْرِكِينَ ) , ويلحق كفار اهل الكتاب مشركي مكة , ( فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ) , حالهم فيها حال الخلود , لا خروج منها ولا يشملهم تخفيف من عذابها , ( أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ ) , أي اكثر واشد الخليقة شرا .
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ{7}
تقرر الآية الكريمة ايضا , ما يقابل تقرير الآية الكريمة السابقة ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ) , ان الذين آمنوا وقرنوا ايمانهم بالأعمال الصالحة النافعة , ( أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) , أولئك خير الخليقة .
( عن جابر بن عبد الله قال كنا عند النبي صلى الله عليه وآله فأقبل علي بن أبي طالب عليه السلام فقال النبي صلى الله عليه وآله قد أتاكم اخي ثم التفت إلى الكعبة فضربها بيده ثم قال والذي نفسي بيده إن هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة ثم قال إنه أو لكم إيمانا معي وأو فاكم بعهد الله وأقومكم بأمر الله وأعد لكم في الرعية واقسمكم بالسوية وأعظمكم عند الله مزية قال فنزلت إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات اولئك هم خير البرية قال وكان أصحاب محمد صلى الله عليه وآله إذا أقبل علي قالوا جاء خير البرية .
وعن النبي صلى الله عليه وآله في هذه الاية إنه التفت إلى علي عليه السلام وقال هم والله أنت وشيعتك يا علي وميعادك وميعادهم الحوض غدا غر محجلين متوجين ) . "تفسير الصافي ج5 للفيض الكاشاني" .
( أخرج ابن عساكر عن جابر بن عبد الله قال: كنا عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فأقبل علي فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): و الذي نفسي بيده إن هذا و شيعته لهم الفائزون يوم القيامة و نزلت اية «إن الذين آمنوا و عملوا الصالحات - أولئك هم خير البرية» ) .
( أخرج الطبري في تفسيره بإسناده عن أبي الجارود عن محمد بن علي: أولئك هم خير البرية. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أنت يا علي وشيعتك ) .
( السيوطي في الدر المنثور في ذلك تفسير قوله تعالى: * (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية) قال: وأخرج ابن عساكر عن جابر بن عبد الله قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم، فأقبل علي عليه السلام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده، إن هذا وشيعة لهم الفائزون يوم القيامة، ونزلت إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية، فكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، إذا أقبل علي عليه السلام، قالوا: جاء خير البرية ) .
( أخرج الحافظ جمال الذين الذرندي عن ابن عباس، رضي الله عنهما، أن هذه الآية لما نزلت قال صلى الله عليه وسلم، لعلي: هو أنت وشيعتك، تأتي أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين، ويأتي عدوك غضاباً مقمحين، قال: ومن عدوي؟ قال: من تبرأ منك ولعنك، وخير السابقين إلى ظل العرش يوم القيامة طوبى لهم، قيل: ومن هم يا رسول الله؟ قال: شيعتك يا علي ومحبوك .
أخرج الحافظ جمال الذين الذرندي عن ابن عباس، رضي الله عنهما، أن هذه الآية لما نزلت قال صلى الله عليه وسلم، لعلي: هو أنت وشيعتك، تأتي أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين، ويأتي عدوك غضاباً مقمحين، قال: ومن عدوي؟ قال: من تبرأ منك ولعنك، وخير السابقين إلى ظل العرش يوم القيامة طوبى لهم، قيل: ومن هم يا رسول الله؟ قال: شيعتك يا علي ومحبوك .
وأخرج ابن عدي عن ابن عباس قال : لما نزلت إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي : هو أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين " .
وأخرج ابن مردويه عن علي قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألم تسمع قول الله : إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية أنت وشيعتك وموعدي وموعدكم الحوض إذا جئت الأمم للحساب تدعون غرا محجلين "نور الابصار: ص 78 و112 ) .
جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ{8}
تختتم الآية الكريمة مضيفة ( جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ ) , اقامة , ( تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ) , مختلفة , فمنها انهار ماء وعسل ولبن , ( خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ) , حالهم فيها الخلود , ( رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ) , بطاعتهم واتباع اوامره واجتناب نواهيه في الدنيا , ( وَرَضُوا عَنْهُ ) , بما اتاهم من الثواب في الاخرة , ( ذَلِكَ ) , الثواب , او منزلة الرضوان , ( لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ ) , خاف عذابه , فعمل جاهدا على اجتنابه , وما ينجيه منه .