حسنٌ، دعوني أتحدث بلساني الشيعي في هذا المقال لوحده، لأفهم بالضبط مجتمعي وسياسته وإعلامه، وتتردّدُ كلمة أمير المؤمنين حين صرخ بأصحابه "ما طبّكم؟ ما دواؤكم؟!"..
في لحظة الكتابة هذه، تكون قد نُشرت 28 ألف تغريدة تحت وسم: #ام_بي_سي_قناة_الإرهاب_السعودي، ونحو 8700 تغريدة تحت وسم #البعير_شوز، هجوماً على مقدم البرامج أحمد البشير، الذي بيني وبينه خلاف شخصيّ وقطيعة حادة منذ عام 2013.
جملتان، في برنامج هامشيّ، أقامت الدنيا ولم تقعد، أثناء وصف نائب رئيس هيأة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس بـ"الإرهابي"، تبع ذلك عشرات التصريحات والبيانات والهجومات.
دعونا نبصم على العشرة أن السعودية بلد إرهابي، وأن إعلامهم امتداد لضربة ابن ملجم، وأن قنواتهم هي مَن ضربت رأس الحسين، وكل الجرائم التي في ذهنكم، وضعوا هذا الحكم جانباً ولنتحدث:
ماذا فعل إعلامكم، الذي تسمّونه "الإعلام الشيعي" منذ عام 2004 حتى الآن؟ لتقفوا أمام أنفسكم، وبكل جرأة لتحاكموا الآخرين؟ أعني: ما الذي قدمتوه للقاعدة الشعبيّة كي تنطلقوا من أساسه للمدافعة على ما تنتمون إليه؟ ورموزكم؟
من القنوات الشيعية ضمن يافطة (اتحاد الإذاعات الإسلامية)، التي يربو عددها على الـ84 وسيلة إعلام، كم منها قدّمت محتوى إنسانياً يبيّن ما فعله المهندس؟
ماذا عن الجيوش الألكترونية التي تطلق كل يوم هاشتاك ضد أحد، وحين تدخل إلى محتواه، ستجد رأس أحمد البشير على جسد حمار، وستيفن نبيل والإساءات إلى أمّه، وشكله، وشتائم لها أول دون آخر، دون اعتراض منطقيّ واحد ليدحض ما جاء به ستيفن وأحمد، أو سواهما!
على العكس، حربٌ مثل هذه، بأدوات رثّة، وقلّة أخلاق وأدب، تجعل القارئ يتعاطف مع المُهاجَم بشكلٍ لا إرادي.
ماذا قدمتم سوى مجموعة عملاقة من الشباب، عطّلتم كل متبنّياتهم، وحوّلتموهم أدوات شتم وقذف بالأعراض، ثم عدتم تبكون إماماً شهيداً بهذه الليلة قال "أكره لكم أن تكونوا سبّابين لعّانين"؟
ماذا قدّمتم للمهندس سوى شيطنته؟ أنتم مَن شيطنتموه، لأنكم لم تفعلوا له سوى المدح العاطفي، في حين كانت قنواتكم جميعاً، تحرّض على قتل الشباب العراقي، ثم عدتم لتبكون لماذا لا يترحمون على المهندس!
أهلاً أهلاً [بصوت مظفّر النوّاب!]..
كم عدد الوثائقيّات التي أُنتِجتْ بحقّ المهندس، أو مقاتلي الحشد؟ جعلتم دماء الشهداء كلها تفقد رمزيّتها بسبب تحوّلكم إلى ضباع ضد الناس، استخدمتم الجهاد لإذلالهم، ثم تسلقتم دماءهم وشواهد قبورهم لتصعدوا إلى البرلمان، ثم جلستم مع أهم الأطراف المحرّضة..
ماذا صنعتم من شبابنا سوى قطيعٍ يُجرّ من أذنيه، لشتم هذا وذاك، وتبرير هذا الفعل لهذا الزعيم أو ذاك، وهو يسكن في كلّ مكان غير صالح للسكنى البشرية؟
هل تسمّون أنفسكم أصلاً "إعلاماً شيعياً"؟ هل أنتم أصلاً "إعلام"؟ أعمل معكم وأعرف كيف تفكّرون منذ 2010، عقد كامل من معرفة كيفية تفكيركم، وكيف أن الموظف الذي يقول "تؤمر حجي" وأن المادة التي تكلّف أقل هي التي ستمر!
منزعجون من السعودية؟ على عيني وعلى راسي، هل فكرتم بفيلم وثائقيّ مثلاً عن الهجمات الوهابية على النجف بداية القرن؟ 4 ضيوف باحثين وكتاب (ماضي النجف وحاضرها) كفيلٌ بأن ينتج وثائقياً من نصف ساعة، هل استثمرتم كتاب (تاريخ آل سعود) للمعارض ناصر السعيد؟ الذي تخرج منه عشرات الوثائقيات والمواد؟ هل صنعتم شيئاً بمقتل خاشقجي؟ هل صنعتم شيئاً عن هيأة الأمر بالمعروف؟ هل فعلتم شيئاً بشأن ابتزاز ترمب لابن سلمان؟
كلا، كنتم منشغلين بالتحريض على قاعدتكم الجماهيرية الشيعية، ولو حاربتم السعودية إعلامياً بربع قوة تحريضكم على المساكين لأوقف ابن سلمان كل هذا الهجوم!
لا يتحدثن أحد عن الإنصاف إن لم يصنعه، الإنصاف عاطفة، تحتاج إلى محرّكات عقليّة، لم تتركوا شيئاً نحبّه إلاّ وشيطنتموه، وكلّما مررتُ بآمرلي، شخصياً، تذكرتُ المهندس، ولعنتكم كثيراً، لعنتكم لأنكم لم تتركوا لنا أحداً إلاّ وسمّمتم صورته النمطية!
أهمّ خبرات العراق الإعلامية مرّت عليكم، فطالبتموها بولاء حزبيّ، ودينيّ، وضيّقتم خناق نشرهم في السوشيال ميديا، فغادروكم إلى نوافذ أقل وطأة، ثم عدتم لتهددوهم، وتحرّضوا عليهم، وتدعون لسفك دمائهم، وجلبتم نفايات الإعلام اللبناني لتشتغل ضدّهم، ثم طالبتموهم باحترام ما تتبنّوه!
قولوا لي، في أيّ عالمٍ موازٍ، يتم تصوير الحشد الشعبي بأنه وحش، لولا فعلكم الإعلامي، وفعل السلاح المنفلت؟
مَن أضاع الشايب؟ مَن أضاع الحشد وصوّره شيطاناً سوى أدائكم الرث المريض، ولا أعلم بأيّ وجه تقابلون الربّ الذي تصلّون له، وترفعون له يدين لطالما تلطّخت بالدماء على الكيبورد!
مَن أضاع المهندس إعلامه، ومَن جرّأ السعودية وغير السعودية على هذا إعلامكم الرث، ومَن يريد الحفاظ على ما تبقى عليه أن يخلع أمراضه النفسية، وأن يستعين بالعقول التي هاجرت بسببه، وبسبب تحريضه، أو انتقلت لنوافذ أخرى، عدا ذلك، فوالله لن يمر عقدٌ من الزمن حتى تصنعوا من أمير المؤمنين إرهابياً، ومن الحسين طالب سلطة، فما مسستم شيئاً مقدساً ومحترماً إلاّ وحوّلتموه إلى رماد!