بسم الله الرحمن الرحيم
لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ{1}
تستهل السورة الشريفة ( لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ ) , مكة .
وَأَنتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ{2}
تضيف الآية الكريمة ( وَأَنتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ ) , تختلف الآراء في النص المبارك , فمنهم من يرى :
1- بأن يحل لك فقاتل فيه وقد أنجز الله له هذا الوعد يوم الفتح . "تفسير الجلالين للسيوطي" .
2- أي اقسم بهذا البلد الحرام يعني مكة لشرف من حل به وهو النبي صلى الله عليه وآله . "تفسير الصافي ج5 للفيض الكاشاني" .
3- عن الصادق عليه السلام قال كانت قريش تعظم البلد وتستحل محمدا صلى الله عليه وآله فيه فقال الله لا اقسم بهذا البلد وأنت حل بهذا البلد يريد أنهم استحلوك فيه فكذبوك وشتموك وكان لا يأخذ الرجل منهم فيه قاتل أبيه ويتقلدون لحاء شجرة الحرم فيأمنون بتقليدهم إياه فاستحلوا من رسول الله صلى الله عليه وآله ما لم يستحلوا من غيره فعاب الله ذلك عليهم . "تفسير الصافي ج5 للفيض الكاشاني" .
وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ{3}
تستمر الآية الكريمة ( وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ ) , آدم "ع" وذريته , على اغلب وارجح الآراء .
لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ{4}
تستمر الآية الكريمة محققة مؤكدة ( لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ ) , في تعب ومشقة , يكابد مصائب الدنيا , حرها وبردها , وسائر الغصص الاخرى , وكذلك يلحق به شدائد الاخرة .
( عن الصادق عليه السلام أنه قيل له إنا نرى الدواب في بطون أيديها الرقعتين مثل الكي فمن أي شيء ذلك فقال ذلك موضع منخريه في بطن امه وابن آدم فرأسه منتصب في بطن امه وذلك قول الله تعالى لقد خلقنا الانسان في كبد وما سوى ابن آدم فراسه في دبره ويداه بين يديه ) . "تفسير الصافي ج5 للفيض الكاشاني" .
أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ{5}
تستمر الآية الكريمة ( أَيَحْسَبُ ) , أيظن بما له من الجاه والمال , ( أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ ) , فينتقم منه , او ينزل علي العقاب .
يرى بعض المفسرين انه نزلت بشأن ابو الاشد ابن كلدة .
يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالاً لُّبَداً{6}
تستمر الآية الكريمة مضيفة ( يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالاً لُّبَداً ) , يقول انفقت مالا كثيرا .
يختلف المفسرون في شأن المقصود في الآية الكريمة , فمنهم من يرى انه من جهز جيش العسرة , ومنهم من يرى انه عمرو بن عبدود , فمما يروى عن الامام الصادق "ع" انه قال بهذا الخصوص : هو عمرو بن عبدود حين عرض عليه علي بن أبي طالب عليه السلام الاسلام يوم الخندق وقال فأين ما انفقت فيكم مالا لبدا وكان أنفق مالا في الصد عن سبيل الله فقتله علي عليه السلام . "تفسير الصافي ج5 للفيض الكاشاني" .
أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ{7}
تضيف الآية الكريمة ( أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ ) , أيظن ان لم يره او يعلم به احد , دلالة على فساد سريرته , وسوف يجزى بها .
أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ{8}
تستمر الآية الكريمة ( أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ ) , استفهام تقرير , الم نجعل له عينين يبصر بهما .
وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ{9}
تستمر الآية الكريمة مضيفة ( وَلِسَاناً ) , يعبر به عما في ضميره , ( وَشَفَتَيْنِ ) , يعيناه على النطق , وكذلك على الاكل والشرب .
وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ{10}
تستمر الآية الكريمة ( وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ) , طريقي الخير والشر , على اغلب الآراء .
فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ{11}
تضيف الآية الكريمة ( فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ ) , فهلا اجتاز العقبة , والعقبة هي الطريق في الجبل , واجتيازها بالإنفاق من ماله في الدنيا , فيأمن عقبات الاخرة .
وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ{12}
تستمر الآية الكريمة متضمنة سؤال تعجيب ( وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ ) , وما اعلمك بالعقبة ومشقتها وكيفية اجتيازها ! , وذلك تعظيما وتهويلا لشأنها .
فَكُّ رَقَبَةٍ{13}
تستمر الآية الكريمة معرفة العقبة ( فَكُّ رَقَبَةٍ ) , عتق رقبة مؤمنة من الرق او الاسر .
أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ{14}
تستمر الآية الكريمة مضيفة بشأن العقبة امرا اخر ( أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ ) , ذي مجاعة .
يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ{15}
تبين الآية الكريمة جهة من الجهات المستحقة للإطعام ( يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ ) , ذا قرابة .
أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ{16}
تضيف الآية الكريمة جهة اخرى مستحقة للإطعام ( أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ ) , فقيرا معدما , لا شيء عنده , ليس لديه شيء يقيه من التراب , او ان التراب ملتصق به لشدة فقره .
( عن الصادق عليه السلام من أطعم مؤمنا حتى يشبعه لم يدر أحد من خلق الله ما له من الاجر في الاخرة لا ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا الله رب العالمين ثم قال من موجبات المغفرة إطعام المسلم السغبان ثم تلا أو إطعام الآية .
عن الرضا عليه السلام إذا أكل اتي بصحفة فتوضع قرب مائدته فيعمد إلى اطيب الطعام مما يؤتى به فيأخذ من كل شيء شيئا فيضع في تلك الصحفة ثم يأمر بها للمساكين ثم يتلو هذه الآية فلا اقتحم ثم يقول علم الله أنه ليس كل إنسان يقدر على عتق رقبة فجعل لهم السبيل إلى الجنة ) . "تفسير الصافي ج5 للفيض الكاشاني" .
ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ{17}
تستمر الآية الكريمة مضيفة ( ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ ) , ليس في فك الرقاب و الاطعام الكفاية , بل يجب ان يضم الى ذلك :
1- ( ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا ) : الايمان .
2- ( وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ) : وأوصى بعضهم بعضا بالصبر على الطاعة وعن المعصية وعلى الانفاق .
3- ( وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ ) : وتواصوا فيما بينهم ايضا بالتراحم .
أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ{18}
تشير الآية الكريمة اليهم معرفة هذه الطبقة ( أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ ) , اصحاب اليمين .
وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ{19}
تنعطف الآية الكريمة مضيفة معرفة الجهة المقابلة لأصحاب اليمين ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ ) , اصحاب الشمال .
عَلَيْهِمْ نَارٌ مُّؤْصَدَةٌ{20}
تضيف الآية الكريمة ( عَلَيْهِمْ نَارٌ مُّؤْصَدَةٌ ) , مطبقة مغلقة عليهم .