المدينة المنورة
كان اسم المدينة المنورة قبل هجرة الرسول الأعظم محمد(ص)يثرب وعند هجرة النبي اليها أبدل أسمها الى المدينة المنورة، وإن كلمة يثرب ذكرت في القرآن في قوله تعالى في سورة الأحزاب: { وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا }(1).
وقد ذكرت ياقوت الحموى في معجم البلدان: أنها سميت بذلك لأن أول من سكنها عند التفرق يثرب بن قانية بن مهلائيل بن إرم بن عبيل بن عوض بن إرم بن سام بن نوح عليه السلام، فلما نزلها رسول الله صلى الله عليه وسلم سماها طيبة وطابة كراهة للتثريب(2).
وان أحدى معاني يثرب هي الطاردة لكثرة مشاكلها وتفرقها وهي في أحدى معانيها تثريب هي (اسم) مصدر ثَرَّبَ تَثْرِيبُ الرَّجُلِ: لَوْمُهُ، تَعْيِيرُهُ لاَ تَثْريبَ عَلَيْكَ وَجَدَهُ فِي تَثْرِيبٍ : فِي تَخْلِيطٍ وَإِفْسَادٍ(3).
والقرآن ذكرها في القرآن الكريم عندما قال في قصة يوسف وإخوانه عندما قال لهم النبي يوسف { قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ }. وهذا يدل على انها كلمة ذات افساد وفيها من الشيء القبيح والاسم هو من اسماء الجاهلية(4).
ولهذا عندما دخل اليها نبينا الأكرم محمد (ص) أسماها المدينة المنورة ونهى عن تسميتها يثرب لأنها أول مدينة للنبي محمد(ص) وهي الدولة المحمدية ليقيم دولة الإسلام ولو لاحظنا ان أسم المدينة جاء من المدنية وهو يدعو على مدى رفعة النبي وسمو الإسلام وحضارته ليربط أسم المدينة بالحضارة الإنسانية والتي كان يسميها طيبة والمحبوبة وطابا ومدينة الانصار وأن تبديل أسمها لم يأتي عن عبث من قبل رسول الإنسانية محمد(ص) بل لأجل تبيان مدى حضارية الدولة الإسلامية الجديدة التي يروم الرسول أقمتها في المدينة والقائمة على التعددية والتي تتكون من :
المهاجرون: الذين هاجروا من مكة إلى المدينة مع النبي(صلى الله عليه و آله و سلم) وقبله وبعده بأمر منه، فضحوا بوطنهم وأموالهم وعلاقاتهم وأقاربهم، وعشائرهم طلباً للحرية وحرصاً على دينهم.
الأنصار: وهم سكان المدينة الأصليين من، قبيلتي الأوس والخزرج، الذين أحبوا رسول الله(صلى الله عليه و آله و سلم) ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه، والذين احتضنوا الرسول(صلى الله عليه و آله و سلم) والمهاجرين معه وقاسموهم الأرزاق.
المتهوِّدون: وهم جماعة من الأوس والخزرج وغيرهما كانوا قد تهوّدوا لمجاورتهم خيبر وبني قريظة والنضير.
اليهود الأصليون: الذين أتوا إلى الجزيرة العربية وسكنوا المدينة وضواحيها، وهم بنو قينقاع وقريظة والنضير(5).
وقد عقد معهم وثيقة مع كل هؤلاء في اقامة شعائر كل هؤلاء بما يحلو لهم ولم يرغم الناس على الصوم او الصلاة مع المسلمين لان المدينة كانت تحوي من مختلف الملل والعقائد بل عاقب السارق وكل من يخرج عن الحدود الانسانية ومخالفة المجتمع الجديد في المدينة المنورة، وبالتالي بدأ في تأسيس مجتمع قائم على المدينة والحضارة ولهذا فقد كتب المفكر (نهرو) رئيس وزراء الهند في كتابه (نظرة في تاريخ العالم) عن الحكومة العادلة لنبي الإسلام (صلى الله عليه وآله وسلم) في المدينة قائلاً: "نادى الإسلام بالأخوة والمساواة لكل الذين أسلموا، فأوجد نظاماً ديمقراطياً للناس، وهذا الشعار الأخوي الإسلامي لو قايسناه بالمسيحية الفاسدة في ذلك الزمان، ليس فقط للعرب بل لأناس كثيرين من دول أخرى يدخل عليهم المسلمون، نجده يشدهم إليه ويجذبهم إليه جذباً". ولهذا نهى الرسول(ص) عن تسمية المدينة المنورة بيثرب حيث يقول في حديث شريف عن البراء بن عازب(من سمى المدينة يثرب فليستغفر الله هي طابة، هي طابة ، هي طابة)(6).
والإمام النووي يرحمه الله تعالى يقول : (إنما كره تسميتها يثرب لأنه من التثريب، وهو التوبيخ والملامة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحب الاسم الحسن، ويكره الاسم القبيح)؛ ولذا غيَّر النبي صلى الله عليه وآله وسلم اسمها(7).
ومن هنا جاءت الآية الكريمة { وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا }. ان من قالها هم المنافقين الذين نكصوا عن القتال مع النبي محمد(ص) بقول طائفة من المنافقين منادين المؤمنين من أهل "المدينة": يا أهل "يثرب"{وهو الاسم القديم "للمدينة"} لا إقامة لكم في معركة خاسرة، فارجعوا إلى منازلكم داخل "المدينة"، ويستأذن فريق آخر من المنافقين الرسول صلى الله عليه وسلم بالعودة إلى منازلهم بحجة أنها غير محصنة، فيخشون عليها، والحق أنها ليست كذلك، وما قصدوا بذلك إلا الفرار من القتال(8).
ونلاحظ أن السورة قد ذكرت في سورة الأحزاب وهي سورة كانت تخص وصف المنافقين والمشركين وحتى نهى الله سبحانه وتعالى على لسان رسوله بابتداء السورة بالبسملة لأنها سورة تخص المنافقين والمشركين وفيها البراءة من هؤلاء الفئتين.
وسوف نتطرق في جزئنا القادم عن المستوى الحضاري لمجتمع المدينة وسبر اغوار المجتمع في المدينة المنورة أن شاء الله أن كان لنا في العمر بقية.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته