تقدمة كلمات موجزات : من مباديء الكتابة ، أو الدعوة لدين ومذهب هو أن يكون الكاتب أو الداعية ظاهراً غير مستتر ومتخف عن الأنظار ، وأن يكون ذا إسم ولقب حقيقيين لا مستعار ومزيف . فالذي ينشر بآسم مستعار ويكتب بلا ضوابط ومعايير نقدية وعلمية وموضوعية موثقة وحسب ، بل يشحن كتاباته بالكراهية والحقدية وصنوف التخرص والبُهت والإفتراء والتجني والشتائم لا يدل إلاّ على مدى تخلف ذلك الكاتب ، أو الداعية وفقره العلمي والثقافي والمعرفي والأخلاقي ، مع دلالة أخرى ، وهي لديه مهمة مشبوهة تم تكليفه بها في مجتمع ما .
إستهداف الإسلام والمسلمين : كعادته المجهول المدعو ( سر سبيندار السندي ) إستهدف الإسلام والمسلمين ، في مقدمتهم الشعب الكردي المسلم بغالبية عبر مقالته بعنوان ( عجيب حقاً رعب المسلمين .. من مسيح وربِّ المسيحيين ) المنشورة في موقع ( صوت كوردستان ) . قبل الشروع في دحض تهافتات المذكور أتساءل : لماذا رعب المسلمين من عبد الله تعالى ونبيه عيسى المسيح ، وهل يوجد في المسيح ما يستوجب الرعب ..؟ ، بل العكس هو الصحيح على الإطلاق ، فالمسلمون لهم كل الحب والمحبة والإجلال والإيمان بعيسى المسيح كنبي من أنبياء الله العظام ، ومن أولي العزم من الرسل . أما موضوعة تأليه [ إبن الإنسان ] المسيح ، بتعبير المسيح نفسه فهذا ما سنتطرق اليه في سياق هذا المبحث .
المسيح في منظور الإسلام والمسلمين : إن عيسى بن مريم هو أحد الأنبياء والرسل الكرام من البشر ، وقد أرسله الله عزوجل لنشر التوحيد والهداية والإصلاح لقومه في بني إسرائيل . لقد تحدث القرآن الكريم كثيراً عن عيسى المسيح وأمه مريم ، حتى إن القرآن أفرد سورة كاملة ومستقلة وخاصة بآسم [ سورة مريم ] .
ففي سورة مريم يتحدث القرآن عن السيدة مريم وآبنها عيسى قبل ولادته ، ثم بعد ولادته وكلامه لبني قومه وهو في المهد بإذن الله تعالى خالقه ، ثم يتحدث عن حياته ودعوته لبني إسرائيل . وقد سجَّل القرآن أقوالاً متعددة له ، منها قول المسيح لقومه كما سجَّله القرآن الكريم ، وهو في المهد ، حيث ذلك من كبرى المعجزات الإلهية للإنسان البشري المخلوق والنبي الكريم عيسى المسيح : { قال : إني عبدالله أتانيَ الكتاب وجعلني نبياً * وجعلني مباركاً أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياً * وبَرَّاً بوالدتي ولم يجعلني جباراً شقياً * والسلام عليَّ يوم ولدتُ ويوم أموتُ ويوم أبعثُ حياً } سورة مريم / 30 – 33 ، فهذه الآية القرآنية تقول على لسان المسيح نفسه بأنه عبد من عباد الله تعالى ، وهو أيضاً نبيٌّ من الأنبياء ومبارك أينما كان ببركة الله خالقه وربه المتعال الذي أوصاه بالصلاة والمحافظة عليها والعبادة وأداء والزكاة طيلة حياته في الدنيا ، مع البِرِّ بوالدته مريم وتنزيه الله له من الإستكبار والشقاوة ، ثم قال المسيح : سلام الله عليه يوم وُلِدَ ويوم يموتُ ويوم يُبعثُ حياً . وقوله : { ما دمتُ حياً } ، وقوله : { ويوم أموتُ } دلالة ثابتة على أن عيسى المسيح قد مات ووافاه الأجل المحتوم مثل سائر الأنبياء والبشر عموماً ، وهو سوف يُبعث حياً كما قال : { ويوم أُبعثُ حياً } ، إذ لكل إنسان بداية ، كما له نهاية محتومة لا مَفرَّ منها ، وتلك البداية والنهاية للإنسان لا آستثناء فيها عند الله سبحانه إطلاقاً ولو كان الإنسان نبياً مرسلاً .
فالمسلمون بكل محبة وإكرام وإيمان يؤمنون بأن عيسى المسيح كان عبداً لله من عباده الأنبياء الصالحين ، لأنه من شروط الإيمان في الإسلام هو الإيمان بجميع الأنبياء والرسل كما نقرأُ في قوله عزوجل : { آمن الرسول بما أُنزل اليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله * لا نفرق بين أحد من رسله * وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير } البقرة / 285
المسيح في الأناجيل يُقِرُّ بإنسانيته : لقد أقرَّ عيسى المسيح وآعترف بأنه بشر مخلوق ، وإنه آبن الإنسان ، وأنه نبيٌّ مرسل من عند الله تعالى الى بني إسرائيل فقط لا غيرهم ، وقد جاء ذلك الإقرار للمسيح في مختلف الأناجيل ، كما جاء فيها بأن المسيح كان يعبد الله سبحانه ويدعو ويتضرع اليه ويصلي ويصوم له ويستغيث به ويرجو رحماته وألطافه . هكذا كان عيسى المسيح يأكل ويشرب ويجوع ويشبع ويفرح ويحزن ويضحك ويمشي ويجلس وينام وغيرها من سلوكيات الإنسان المخلوق ، وهذه الصفات هي صفات بشرية خالصة وسبحان الله عما يُشركون ويتوهَّمون ويتقوَّلون .
حتى الناس من قوم بني إسرائيل لم يشكوا يومها قط في بشرية عيسى المسيح وحسب ، بل إنهم كانوا يعتبرونه بشراً مخلوقاً مثلهم ، لهذا قالوا كما ورد في كتاب ( إنجيل متَّى ) : [ جاء آبن الإنسان يأكلُ ويشرب ] يُنظر كتاب ( الكتاب المقدس ) ، جمعيات الكتاب المقدس في المشرق ، بيروت / لبنان ، دار المشرق ، ش . م . م ، بيروت / لبنان ، التوزيع : المكتبة الشرقية ، بيروت / لبنان ، ط 6 ، 1988 ، ( إنجيل متى ) ، ص 67
قصة تأليه المسيح : وفق مختلف الأناجيل لم يَدَّع المسيح الربوبية فقط ، بل إنه أقرَّ بعبوديته لله تعالى وببشريته ، وإنه كان يتعبَّد لله ويتقرَّب اليه بالعبادات والطاعات كالصلاة والصيام والزكاة والدعاء لله الخالق الذي خلقه وخلق البشر والكائنات كلها ، فهو سبحانه الخالق ، وهو على كل شيء قدير كما قال نبي الله المسيح المروي عنه في كتاب ( إنجيل متى ) : [ أما الله فإنه على كل شيء قدير ] يُنظر المصدر المذكور والجمعيات ودار النشر والمكتبة والمكان والطبعة والسنة ، ( إنجيل متى ) ، ص 91 ، ويقول المسيح أيضا ، وهو يخاطب قومه بأن الله الخالق منذ البدء خلق البشر ذكراً وأنثى : [ أما قرأتم أن الخالق منذ البدء جعلهما ذكراً وأنثىً ] يُنظر نفس المصدر المذكور والجمعيات ودار النشر والمكتبة والمكان والطبعة والسنة والإنجيل ، ص 89
يقول المسيح عن بشريته : [ أما آبن الإنسان فليس له ما يضعُ عليه رأسه ] يُنظر المصدر المذكور وجمعيات الكتاب المقدس في المشرق والمكتبة والمكان والسنة والطبعة والإنجيل ، ص 58 ، وفي موضع آخر من ( إنجيل متى ) يدعو المسيح الله ربه ويحمده ويشكره ، فيقول : [ أحمدك يا أبت ، ربَّ السماوات والأرض ] يُنظر المصدر المذكور والجمعيات ودار النشر والمكتبة والمكان والطبعة والسنة والإنجيل ، ص 68
في مقابلة بينه والشيطان يقول المسيح له كما رواه كتاب ( إنجيل لوقا ) ، وذلك بعدما طلب الشيطان من المسيح أن يسجد له : [ مكتوبٌ : للربِّ إلهك تسجد وإيَّاهُ وحدهُ تعبد ] يُنظر المصدر المذكور والجمعيات والمكتبة والمكان والسنة والطبعة ، كتاب ( إنجيل لوقا ) ، ص 202
أجل .. هكذا كان المسيح كسائر الأنبياء والمرسلين بشراً ، ولو كان غير ذلك لَمَا طلب الشيطان منه السجود له ، ثم إن رد المسيح له كان هو الأقوى والأصح والأعظم والأفحم ، فالسجود والتعبد لا يكون ولا يليق إلاّ لله الخالق الباريء المتعال سبحانه عما يصفون ، وسبحانه عما يُشركون ، فالله الخالق سبحانه كما قال المسيح هو المستحق فقط لا غيره للسجود والعبادة والتعبد . علاوة على ماورد فالمشهور عن المسيح عبدالله الله تعالى ونبيه ، هو كثرته للعبادة والتعبد والتضرع لله عزوجل ، وهذا ما جاء في محتلف الأناجيل أيضاً . في هذا الصدد جاء في كتاب ( إنجيل لوقا ) : [ وفي تلك الأيام ذهب الى الجبل ليُصلِّي ، فأحيا الليل كله في الصلاة لله ] يُنظر المصدر المذكور والجمعيات والمكتبة والمكان والسنة والطبعة والإنجيل ، ص 208