الخطبة الأخيرة لآخر جمعة من شهر ذي الحجة عام 1440 في صحن الإمام الحسين(ع) كادت ان تصل الى مستوى الفتوى التي أنقذت العراق عام 2014 .. لكن هذه المرة مع خطباء المنبر والجمهور الحسيني .. في نبرات الشيخ الكربلائي ومن وراءه نسمع صوتا يحث بقوة ان يتحول المنبر الحسيني الى مستوى معالجة الأزمات الاجتماعية ويقف ضد الفساد الحكومي والاخلاقي .. كان راي المرجعية ان يعرف الخطيب دوره القيادي في العامة وبنفس الوقت ان يعرف العامة انهم غير بعيدين عن المسؤولية الشرعية والأخلاقية .
بنفس الصدد اتصل بي احد الأخوة المصورين , يقول : كلفني احد أصحاب المساجد الكبيرة في منطقته, ان نعمل حملة نحث من خلالها الشباب لارتياد المجالس الحسينية في العشرة الأولى لمحرم 1441 هـ .. وعدم الاهتمام بالسرادقات الذين حولوا المناسبة الى توزيع شاي وكعك .. فاعتذرت ان شارك بدعوة الناس لهذا الموضوع .. لأني أعيش في وسط هؤلاء الشباب بحكم عملي كخطيب منبر .. استطلع آراءهم ( وهذا يفيد أصحاب الشأن في تطوير المنبر الحسيني ) واسألهم عن سبب عدم ارتيادهم للمجالس كما كنا قبل عشرين سنة وأكثر, حين كانت المجالس تزدحم والشوارع تغلق بسبب الازدحام رغم المنع والاعتقالات .
وجدت الجواب مشتركا عند الجميع , ان ما كان يطرحه الخطباء ذلك الوقت كان يتماشى تماما مع المرحلة والصراع مع حزب البعث الكافر بمبدأ الحسين (ع) أما الآن فقد تحول المنبر الى شعارات مكرره .. خالية تماما من تفسير رصين للقران كما كنا نسمعه من الشيخ الوائلي رحمه الله تعالى .. وكأن نساء الشيعة عقمن ان يلدن خطيبا من نفس الطراز , أو إن المدارس الكثيرة المنتشرة في العراق الآن عجزت ان تبني خطباء بمستوى الهجمة الثقافية التي يعيشها العراق .. قال لي احدهم : لا أغالي ان أقول إن بعض الخطباء يعيشون خارج إطار زمانهم ,
غالبا يعتمدون على قصص غير دقيقة وإثارة العاطفة والبكاء , ويكررون ما ذكره غيرهم وسمعه جمهور المستمعين , والأغلب من المستمعين ينتظر نهاية المجلس ليسمع النعي .
أما أصحاب المجالس الحسينية .. اغلبهم يهمهم عدد الحاضرين دون الاهتمام بنوعية المحاضرة . وما يقوله الخطيب .. ويعتبر ان الحسين (ع) جعل في مجلسه بركه لان رواد المجلس كثيرون .. حتى ان الخطيب انتقل من سنن الخطابة على ظهر قلب إلى قراءة في أوراق او بكتاب على المنبر وهذه ظاهرة جديدة , تبين ان الخطيب لا يحضر المجلس .. لانه يعرف ان المجتمع وصاحب المجلس لا علاقة له أصلا بالموضوع .
لا أريد ان أكون متشائما أكثر ولكن لو استمر الوضع على ما هو عليه .. مع وجود هجمة وجهات تدفع بكافة وسائل الاعلام الى تشويه الشعائر الحسينية واستفراغها من محتواها .. أقول سيفقد الشيعة سندا وقاعدة قل لها نظير في العالم الديني والإنساني ..
ومع اسفي الشديد اقول ان بعض ممن يرتقي المنبر هذه الأيام لا يمتلك أي رصيد ثقافي , ولا مستوى حوزوي علمي , المهم يعرف أبيات قريض ونعي , وصوته حلو .. ويعرف كيف يدير المجلس بالعاطفة .. ويجعل المستمع يردد كلمات يحبها مثل .. اه يا زينب .. وطلع اللي بكلبك .. ولبيك يا حسين .. وينتهي المجلس ... وتنتهي المناسبة كلها , لم يحصل المستمع أي معلومة ولم يرفع الخطيب شبهة عن المستمعين , او يوضح حكم شرعي .. او قاعدة قرآنية .. في رايي ان وظيفة المنبر هي تعليم الناس امور دينهم ودنياهم .
قال الامام الصادق (ع) احيوا امرنا رحم الله من احيا امرنا .. قالوا وكيف نحيي أمركم ..؟ قال تعلموا علومنا وعلموها للناس .. نسال الله ان يأخذ بأيدينا لما يحب ويرضى والسلام عليكم ..