الغائبون هم اكثر حضورا في الذاكرة ويتجلل الفؤاد بذكراهم كل ساعة , ذكراك يا شيخ عبد الزهرة الدنبوس تبدأ ب ابتسامة وتنتهي ب دمعة ما احكم بعضا من الناس حينما تحل البصيرة في عيونهم وقلوبهم ويتداركون بأن الدنيا لحظات وعقولهم ترتقي لمرضاة الله وتعمل بقانون خذوا من ممركم لمقركم ,فتجللت سيرة حياتها من عمر زمني محدود الى عمر مجد وخالد يتذكره الاجيال ولد الشيخ عبد الزهرة بسيطا بعيدا عن ترف الدنيا وزينتها وعاش مكافحا لله بصبره وعنفوانه فأسس مسجدا في الستينيات من القرن الماضي وزينه بالذكر الحكيم ونقش في جداره الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة ,حتى توسع مشروعه الالهي فاخذ يثمر في قلوب الناس وصدق من قال (ما كان لله ينمو ويتصل , وما كان لغير الله ينقطع ويضمحل ) هكذا من يعرف الله وقدره سيجد الله له ناصرا وكافلا , في الذكرى الاولى لوفاة الشيخ عبد الزهرة نعجز عن التعبير وتمحى الحروف من ألسنتنا وتهرب الكلمات بل تقف الانامل عاجزة على ايجاد حروف تصاغ لمقامكم ومواقفكم , ما اقول الا سيضل عزائك فينا عمرا وذكراك معلقة في قلوب من احبك , كنت من فترة طويلة عزفت عن الكتابة لأمور وظروف خاصة ولكن نار الحزن وما رات عيني من اقامة ذكرى تليق بهذا الشيخ الجليل حتى سارعت ان اكتب ماتر عيني لا ماتسمع اذني , واعزي نفسي قبل كل شيء والشيخ الجليل حيدر نجل الشيخ وكل اولاده المحترمين وهم يبذلون الغالي والنفيس ويسيرون على منهج ما خطط اليه وسار عليه الشيخ من خدمة الدين والقضية الحسينية واعلاء كلمة الله تحت راية يعسوب الدين الامام علي عليه السلام ,فترى مسيرتهم من العشق الالهي لهذا السبط المنتجب ريحانة رسول الله لاتقف ولاتمل , .كنت اتردد للصلاة في حسينية الزهراء وانا اسكن منطقة الصالحية وحينما احل ضيفا في منطقة حي العامل اسعى الى ان اقيم الصلاة في تلك الحسينية لما لها من خصوصية واطمئنان للقلب والخشوع والابتهال إلى الله وأدي فريضة الصلاة تحت سقفها البسيط وجدرانها المملوءة بالآيات والعبارات الدينية , وارى فيها ذلك الشخص الطيب وجه يبتسم ويشع الإيمان من ثنايا قلبه لين الاطباع سهل المعشر حنين العاطفة , ويسعى جاهدا أن يهيئ لنا مستلزمات الصلاة وذات يوم سألني أنت من هذه المنطقة قلت له اسكن منطقة الصالحية ورحب بي وقال تحتاج شيء قلت له شكرا لك ثم سألني عن قبيلتي فأجبته من بني اسد الجبايش ولم يقدر لي بعد ان اتكلم حتى يتحدث عن سفر تلك القبيلة سبقني بشرح مفصل وخاض بتاريخها ومجدها وذكر لي رجالها واذا انا امام قامة تاريخية ثقافية , كان رجلا يحمل تاريخا ويداه بيضاء منذ نعومة أظفاره طيب المعشر كلامه كالشجرة المورقة اذا وقعت في قلب أي انسان احيته يكفي انه اسس مسجد وجذر فيه منبر حسيني بعد ان سمع الامام الحسين عليه السلام يقول ( هل من ناصر ينصرنا ) وتعلق بحبل المودة وتمسك بسفينة النجاة باع الخير والأجر دون ثمن عاش لله خالصا ومات لله فيضا بحب اهل البيت وكانت عيناه تذرف الدمع حين سماعه ذكرى استشهاد ابي الاحرار, نعم قرأت عن الفراق هو لسانه الدموع وحديثه الصمت ونظره يجوب السماء أيها المعزين بذكرى وفاة الشيخ الجليل عبد الزهرة الدنبوس لست وحدكم المعزين بأبيكم ولا انتم الذين فقدتموه دون سواكم ، بل فقده الدين كعابد وأب كامل وكريم يحب الضيف وجار يتفقد المحتاج وفقده العلم والمنبر كخادم وناصح وفقدته الإنسانية لسلوكه وسمو رفعته وتواضعه .هذا الرجل الذي عاش بجسمه في هذا العصر عصر الحضارة وعصر التطور وانغماس الناس بملذات الدنيا وقد نبه الامام علي عليه السلام ( يأتي على الناس زمان تكون العافية فيه عشرة أجزاء تسعة منها في اعتزال الناس وواحدة في الصمت ) .أما بروحه وعقله وتسبيحه وصلواته وزيارته وكنت اسمعه في الصلاة يقول غدا سأشد الرحال إلى الامام الرضا عليه السلام وادعو لكل المسلمين ومن صل بهذا المسجد فقد عاش في عصر الائمة الاطهار لنيته لبيان كلامه الصادق لإيمانه المطلق بالله واهل بيته نعم الشيخ عبد الزهرة غرس شجرة طيبة واستثمرها أولاده وأضاءت مصباحا نيرا يهتدي بنوره التائهون وها نحن نتردد لنصلي ونتبرك ونثقل ميزان حسناتنا من الأجر كل يوم تحت ظل هذه الشجرة المباركة الشجرة التي أفصحت لنا الحق وعرفتنا أقصر الطرق واقل التكاليف للوصول الى الله سبحانه وتعالى الى يوم التلاقي يا أرواحا غادرت الدنيا لكم الجنة بإذن الله رحمه الله الشيخ عبد الزهرة الدنبوس وحشره مع أهل بيته الطيبين الطاهرين .