رحلة العذاب هي من اقسى وأمر ما عانت فيه نساء ال محمد من الألم ولوعة الفراق عبر الصحاري والفيافي الواسعة تحت لمعان السيوف والرماح المدببة ولهيب الحر يتقدمها رأس الأمام الحسين عليه السلام الذي بكت عليه الملائكة والسموات السبع والأرضون السبع , الا تعلم ايها القدر ان رسول الله مر يوما وسمع الحسين عليه السلام يبكي فقال سكتيه يافاطمة ! ألم تعلمي ان بكاءه يؤذيني , في رحلة السبايا الى الشام قصة بدايتها الأنين ونهايتها الإيثار ,تحركة قافلة سبايا اهل البيت بعد واقعة الطف من شمال العراق بمحاذاة نهر الفرات لتدخل سوريا عن طريق معرٌة النعمان ومنها الى حلب وحماه وحمص ومن ثم الى مدينة بعلبك في لبنان , وكانت السيدة خولة بنت الامام الحسين عليه السلام من بين الأطفال الذين تملوا عناء السفر الطويل والمشقة وكان عمرها ثلاث سنوات حينما عزم الامام الحسين عليه السلام لمواجهة يزيد , ونحن على دراية كاملة أن الأنسان الذي يسير للنزهة والسياحة لايتأثر بمشقة المشي والترحال فكيف بحال اسارى منكسرين يلبسون ثوب الحزن يسيرون الى منايا مجهولة بالتأكيد ستكون المسافة فيها مشقة كبيرة وطريق طويل , مما جعل السيدة خولة أن تخوٌر وتسقط عن ظهر الجمل في مدينة بعلبك , وما لبثت بعد ذلك حتى توفت اليوم التالي , فقام الأمام زين العابدين عليه السلام بدفنها واخفى معالم الضريح في بستان على مشارف المدينة وغرس الى جانبها غصنا من شجرة سرٌو ليستطيع التعرف لاحقا الى مكان القبر الشريف وسرعان ما تحول هذا الغصن لاحقا الى شجرة كبيرة لاتزال حتى يومنا هذا , وهناك عدة روايات تتحدث عن نشأة المقام الإ ان ابرزها, يروى أن رجلاً من آل جاري صاحب البستان الذي يحوي قبرها رأى طفلة صغيرة جليلة في منامه، فقالت له: (أنا خولة بنت الحسين مدفونة في بستانك) وعينت له المكان وأمرته بالقول حوّل الساقية (ساقية مياه رأس العين) عن قبري لأن المياه تؤذيني. فالمياة كانت آسنة، لكن الرجل لم يلتفت للأمر، فجاءته ثانية وثالثة ورابعة حتى انتبه الرجل فزعاً من هذه الرؤى، فهرع عندها للاتصال بنقيب السادة من آل مرتضى في بعلبك وقصَّ عليه الرؤية، فذهب النقيب ومن حضر من الأهالي وحفروا المكان المشار إليه، وإذ بهم أمام قبر يحوي طفلة ما تزال غضة طرية، فأزاحوا البلاطات واستخرجوا جسدها ونقلوها بعيداً عن مجرى الساقية وبنوا فوقه قبة صغيرة للدلالة عليه وحجرة طولها ستة امتار وصندوق خشبي مزخرف بأيات قرأنية وأشكال هندسية , وما أن ذاع صيت الحادثة والتي مر عليها اكثر من مئتي عام حتى توافد الناس على قبرها واخذوا يتبركون فيه واصبح مزارا مشهورا ويقصدوه جميع الناس وخصوصا ايام عاشوراء وزيارة الاربعين , وان هناك ايضا الكثير من الكرمات للسيدة في هذه المنطقة بعد أن شاع خبرها الى الوالي العثماني , وتروي السير لنا ان طول فترة مسيرالسبايا أن هناك مراقد مشرفة لي ال الرسول نتيجة التعب والعطش والجوع لطول المسافة ووعورة الطريق , وقد رزقني الله زيارة السيد خوله اكثر من مرة لتكون لنا شفيعة يوم التلاقي ,روي ان مقام السيدة خولة قد دمر نتيجة زلزال ضرب المدينة وقد اعيد بناؤه من جديد , بعد أن اجريت تحسينات وتوسيعات وأضافات ابرزها كان في عام 1970 , وفي عام 2000 اخذت الجمهورية الاسلامية الايرانية على عاتقها بناء المقام وتوسيعه وتلوينه بعد اتسع المكان على قطعة ارض مساحتها 1500 م2 عند المدخل الجنوبي لمدينة بعلبك وتحيط بها اشجار صنوبرية وحرجية , اما مدينة بعلبك فكانت مدينة تاريخية وفيها معالم حضارية كثيرة يقسم اسمها (بعل) يعني اله السوريون والكنعانيون (بك) يقصد بها مدينة ,وتقع في قلب لبنان شرق نهر الليطاني على بعد 85 كيلو متر من شمال شرق لبنان عدد سكانها بعد ان ظهر قبر السيدة خولة ازداد عدد سكانها ليصل الى 250 الف نسمة وغالبيتهم من الطائفة الشيعية , يقول المؤرخ الدكتور حسن نصر الله ان بعلا ورده ذكره في القرآن الكريم في سورة الصافات عندما كان نبي الله إلياس يمنعهم من عبادته وقال لهم بحسب النص القرآني (أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ)125 سورة الصافات , ويعتقد المؤرخون إن مدينة بعلبك اقدم مدينة شيدت في الكون , وقد غز الاسكندر هذه المدينة عام 334 ق. م , واطلق عليها اسم مصر الجديدة او مدينة الشمس , ويوجد فيها معابد كثيرة واهمها معبد باخوس ذوي الأعمدة الستة المشهورة ويوجد فيها مسجد رأس الإمام الحسين عليه السلام والذي شيد عام 681 تكريما للمكان الذي وضع فيه الرأس الشريف , ومع كل ذلك فستبقى مدينة بعلبك الذي خصها الله بمكانة عالية لما تحمله في طياتها من عطر يفوح نسيمه للزائرين وقطعة من جسد الامام الحسين تدفن وقافلة السبايا لا تتوقف فالتاريخ سجل تدون فيه كل شاردة وواردة والحق له جولة والوقوف بين يدي قريب كلمح البصر ,