في جزئنا هذا سوف نسلط الأضواء على خلق النبي وهل كان فظ الخلق أو شرس الطباع(حاش لله)كما يدعي كل المعادين لديننا الحنيف وللرسول الأعظم محمد(ص)لأننا بعد ان ألقينا نظرة فاحصة على تعامل النبي في الحروب والأسرى وكانت أخلاق المنتصر في الحروب وإن خلق الرسول الأعظم هو خلق وتعامل وسماح وشهامة لا تجدها عند كل الخلق من الأولين والأخرين. وكان الخلق الرفيع والسامي لنبي الرحمة محمد(ص) هو ما تميز به ذلك الرسول السامي وبأعلى المعاني في الأخلاق والكامل من جميه الأوجه والذي أكد ذلك رب العزة والجلال في محكم كتابه بقوله {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}(1). وليأتي نبي الرحمة على الذكر الحكيم ليقول في حديثه الشريف { أدبني ربي فأحسن تأديبي }(2). وهذا القول لرسول الله(ص) يشير وبدون أدنى شك أن الله سبحانه وتعالى هو من تعاهد بتربيته والرعاية واللطف الإلهي ومنذ ولادته وانه لا توجد فاصلة زمنية لم يكن فيها النبي محمد(ص) بمعزل عن رعاية جل وعلا، ولهذا تقدير الكلام من خلال هذا الحديث الشريف : أن الله تعالى قد أدبني ولم يؤدبني غير الله. ولا يفهم بأنه كانت هناك فترة لم يكون فيها الرسول مؤدب والعياذ بالله ومن خلال سياق الكلام.
ومن المستغرب عند مراجعتي مصادر هذا الحديث في المواقع السنية والسلفية وجدت أن أبن تيمية يقول هذا الحديث ضعيف . حيث قال ابن تيمية : لا يعرف له إسناد ثاب (3) .
وهذا ما يبعث على الغضب والاشمئزاز من النيل من الحضرة النبوية الشريفة والتي تعبر عن أهواء اموية وعباسية وضغائن من الجاهلية من اجل المس بحضرة نبينا الأكرم محمد(ص) ولكن هم لو يراجعوا كتاب الله القرآن العظيم وصفات أسوتنا الحسنة نبي الرحمة خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وآله وسلم فهو الأسوة الحسنة، الذي يقتدى بها أذ قال الله سبحانه وتعالى: { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا }(4).
ولنقتبس كلام من إحدى الكتاب لتأكيد ما نقوله على الخلق الرفيع والسامي للمبعوث رحمة للعالمين وهو من أهل السنة والجماعة حيث يقول " سيد المرسلين الذي عُرف قبل بعثته بالصادق الأمين لعظمة صفاته ومناقبه فلم يكن محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلا الأخلاق السامية والآداب النبيلة والقيم الرسالية والإنسانية فكان قيم تمشي على قدمين، وهذا هو السر في سرعان انشداد القلوب والعقول إليه، وفي انتشار دينه الذي طغى على كل الأديان هذا الدين الذي استقطب القاصي والداني، وحتى من قرأ سيرته صلى الله عليه وآله وسلم وتأمل في واقع عصره صلى الله عليه وآله وسلم وما كان يتصف به مجتمعه الجاهلي من مغالطات وكيف جعله صلى الله عليه وآله وسلم مجتمعا راقيا حاملا القيم وداعيا إليها بالحكمة والموعظة الحسنة، أمن به صلى الله عليه وآله وسلم مع بُعد الزمان وبُعد المكان وليس ذلك إلا لأن القيم المحمدية تتماشى مع الفطرة السليمة ويقرها العقل السليم، مهما طال الزمان وتغيّرت حوادث الحدثان، قيمُه حلاله وحرامه الى يوم القيامة، حلال محمد حلال الى يوم القيامة وحرام محمد حرام الى يوم القيامة"(5). فالرسول الأعظم هو رجل الثبات والقيم والمبادئ والنهج المستقيم الذي لم تؤثر به مغريات الجاه والسلطة والمال بل زادته زهداً وتعبداً والذي قال عنه برناردشو: "إن رجلاً مثل محمد لو تسلم زمام الحكم المطلق اليوم في العالم كله لتم له النجاح في حكمه، وقاده إلى الخير، وحل مشكلاته بوجه يحقق للعالم السلام، والسعادة المنشودة".
ولهذا جاءت الآية الكريمة في كحكم كتابه تقول { لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ }(6).
ومن هنا كان في كل أفعاله وتعامله هو تعامل رب السماوات والأرض وهي الرحمة والتسامح والحلم والإنسانية بكل معانيها السامية لأن الله لا يوجد في خزائنه عكس أي الظلم وكل الأفعال المشينة والظالمة(حاش لله)فكان خلق نبي الرحمة والإنسانية(ص) هو خلق القرآن والقرآن الناطق الذي يمشي في الأرض. وديننا يدعو في كل ما تقرأه إلى المحبة والتآخي والتسامح والألفة وكانت شريعة الله تعالى هي شريعة سمحاء ولهذا جاء الحديث الشريف للنبي يقول {جئتكم بالشريعة السهلة السمحاء }(7).
ولهذا كانت الرسالة المحمدية رسالة عفو وتسامح وحلم طوال الدعوة المحمدية والذي ماسار عليه خليفته ووصيه الأمام أمير المؤمنين(ع)ومن بعده أئمتنا الأطهار المعصومين(صلوات الله عليهم أجمعين).
{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}(8).
هنا في هذه الآية تجسد الشرح العملي والموضوعي للرسالة المحمدية فهذه الآية قد ارتكزت على ثلاث نقاط وهي حيث اعلم أنه تعالى أمر رسوله أن يدعو الناس بأحد هذه الطرق الثلاثة : وهي :
1 ـ الحكمة 2 ـ والموعظة الحسنة 3 ـ المجادلة بالطريق الأحسن
وقد ذكر الله تعالى هذا الجدل في آية أخرى ، فقال : ( ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن )(8). ولما ذكر الله تعالى هذه الطرق الثلاثة وعطف بعضها على بعض(ولهذا وجب أن تكون هناك طرقا متغايرة متباينة)(9)، والتي سنأتي على ذكرها في الأجزاء القادمة.
فالحكمة هي " بمعنى العلم والمنطق والاستدلال، وهي في الأصل بمعنى (المنع) وقد أطلقت على العلم والمنطق والاستدلال لقدرتها على منع الإنسان من الفساد والانحراف...فأول خطوة على طريق الدعوة إلى الحق هي التمكن من الاستدلال وفق المنطق السليم، أو النفوذ إلى داخل فكر الناس ومحاولة تحريك وإيقاظ عقولهم، كخطوة أولى في هذا الطريق "(10).
ولهذا كانت الدعوة الإسلامية قائمة على العلم الموضوعي والاستدلال المنطقي وتحاور بالمنطق والعلم وليس تجادل بضرب من ضروب الخبال أو العبثية. والأعجاز العلمي في القرآن الكريم مازال ولحد الآن يكتشف فيه الواحد تلو الأخر وحتى أحاديث الرسول الأعظم في كل ما يتحدث فيه تثبت صحته ولحد وقتنا الحاضر فكانت أحاديث النبي محمد(ص)تدلل على قوة المنطق والعلمية والموضوعية والتي يستند فيها إلى القرآن وإلى ما يوحيه إليه ربه رب السماوات والأرض. ولهذا نجد أن نبي الرحمة يتحدث عن الأعجاز العلمي في أحاديثه الشريفة وقبل أكثر من(1400) سنة وليثبت العلم بعد ذلك.
والحكمة هي أعلى مراتب التكوين العقلي والذهني للإنسان وهو يعتبر من الكمالات الإلهية التي يتفضل بها الله سبحانه على عباده على أنبياؤه واولياؤه وعباده الصالحين وهو تعني الخير والفضل الكبير من الله جل وعلا ولهذا جاء في الذكر الحكيم للقرآن حيث يقول {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ}(11).
ولهذا كانت المنة الإلهية قد وهبها الله تعالى إلى أحب الخلق إليه وخاتم الأنبياء الرسول الأعظم محمد(ص)وهي منة إلهية لم يهبها لأحد من جميع الخلق من عبادة ورسله وأنبيائه من الأولين والآخرين. ولهذا جاء الحديث النبوي الشريف و عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { رأس الحكمة مخافة الله }(12)ولعل أبرز ما يثير الفضول تجسيد الرسول صلى الله عليه وسلم للحكمة واختيار الرأس تعبيرا مجازيا يعبر عن أهم جزء في الحكمة وأساسها، وهو الخوف من الله؟. وهذا الاختيار لمنطقة الرأس يدل على عظمة الحكمة لأنها مكان التفكير والتمييز والإرادة والمحاكمة والاستنباط وكل مدارك والمواطن الفكرية لأنها فيها العقل(اي المخ). ولهذا أعطى من الشمائل ومن ابواب الحكمة كلها فهو كان يكنى في قريش ومن قبل الكفار(الصادق الأمين)لصدقه وأمانته وهذين البابين من أبواب الحكمة فيها من الشيء الكثير التي لا تتوفر عند اي من الناس أجمعين من الأولين والآخرين فهو عندما هاجر وترك وصيه وأخيه الإمام علي بن ابي وأمره برد الأمانات التي عنده حيث ذكر المؤرخون ان النبي (ص) أوصى عليا (ع) بحفظ ذمته وأداء أمانته، وكانت قريش تدعو محمدا (ص)في الجاهلية الأمين وتودعه أموالها ،وكذلك من يقدم مكة من العرب في الموسم، وجاءته النبوة والأمر كذلك، فأمر عليا (ع) أن يقيم مناديا بالأبطح غدوة وعشية إلا من كانت له قبل محمد (ص) أمانة فليأت لتؤدي إليه أمانته(13).
وهنا يبرز السؤال من كانت له هذه الصفات السامية هل يصح ما يدس عن الرسول الأعظم من إساءات ودسائس من قبل اليهود الصهيوني والغرب المسيحي الأنجليني، وحتى من قبل كتب الصحاح لأهل السنة والجماع؟! نترك لكم الاجابة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر :
1 ـ [القلم : 4].
2 ـ قال في الحاشيه: رواه ابن السمعاني في أدب الإملاء والاستملاء ص 1، ونسبه السخاوي في المقاصد ص 29 للعسكري في الامثال وضعفه وضعفه ايضاً الألباني. ص46 - أرشيف ملتقى أهل الحديث - هل حديث ادبني ربي فأحسن تأديبي صحيح - المكتبة الشاملة الحديثة. نور الثقلين: ٥ / ٣٨٩ / ١٣ وص ٣٩٢ / ٢٩. ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج ١ - الصفحة ٥٨. بحار الأنوار ج11/ 210.
3 ـ انظر سلسله الاحاديث الضعيفه 1/ 101 - 102 وقال شيخ الاسلام ابن تيميه: إن معناه صحيح، ولكن لا يعرف به إسناد ثابت 0 انظر مجمود فتاوى شيخ الاسلام ابن تيميه 18/ 375
4 ـ [ الأحزاب:21 ].
5 ـ من مقال المبعوث رحمة للعالمين صلى الله عليه وآله وسلم. موقع شبكة المعارف الإسلامية. محطات إسلامية :: البعثة النبوية. من كتاب إضاءات إسلامية / الشيخ حسن خليل زلغوط..
6 ـ [ التوبة : 128 ].
7 ـ بحار الأنوار ٦٤ : ١٣٦ وفيه: «ومنه الحديث: بعثت بالحنيفية السمحة السهلة». والنهايةفي غريب الحديث لابن الأثير ١ : ٤٥١. الناصريات: ٤٦. القرآن والعقيدة - السيد مسلم الحلي - الصفحة ٣٢٥. منشورات المكتبة الشيعية. ومسند أحمد بن حنبل 5:266، تفسير القرطبي 19:39، الطبقات الكبرى 1:140 وفيها "بُعثتُ بالحنيفية السمحة". رسائل الشعائر الحسينية (ج 5). ص 15. تأليف مجموعة من العلماء. جمعها وحقّقها وعلّق عليها. الشيخ محمّد الحسّون. الجزء الخامس منشورات مركز الأبحاث العقائدية.
8 ـ [النحل : 125].
9 ـ [العنكبوت : 46].
10 ـ الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - ج ٨ - الصفحة ٣٦٩.
11 ـ [البقرة : 269].
12 ـ كنز العمال: (٥٨٧٣، البحار: ٧٨ / ٤٥٣ / ٢٣) و ٥٨٧٢. ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج ١ - الصفحة ٦٧٣. منشورات المكتبة الشيعية.
13 ـ المناقب لابن شهرآشوب: 2 / 58، ومروج الذهب للمسعودي: 2 / 285. اعلام الهداية. أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام).باب مهامّ ما بعد ليلة المبيت ، ص المجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام) قم المقدسة .