من الواضح ان اغلب الدول المجاورة الكبيرة ،كأيران وتركيا ،تتعرض قيمة العملة فيها الى التدهور والتذبذب ،ولا غبار على ذلك كون هذه الدول تتعرض الى حصار خارجي من دول كبرى فلاعجب ان تتأثر عملتها .
ولو عدنا الى الوراء في العراق ،الى وقت النظام البائد وبالضبط بعد أحداث الكويت ،نجد ان العراق تعرض الى اشد حصار شهدته البشرية، فرض على شعبه ، نتج عن قرار الأمم المتحدة 661 عام 1990،واشترك فيه العدو والصديق ونال من جميع اطياف الشعب بأستثناء قيادته العابثة التي استمرت ببناء القصور واجراءات الترف ذاتها ،بينما قدر عدد الأطفال الذين ماتوا من جراءه بمليون ونصف ، فلاعجب ان تهبط قيمة الدينار العراقي آنذاك الى 150دينار لكل دولار أمريكي .
ولكن العجب كل العجب ان تتدهور قيمة الدينار الى نفس المستوى ،أي 150 دينار لكل دولار أمريكي في عهد الحكومات البريمرية ،رغم عدم وجود أي حصار خارجي للبلاد أو أي تهديد يستهدف العراق لوحده دون دول العالم ،وتعافي سوق النفط !
لقد اشتهر العراق في عهد هذه الحكومات بالفساد وقصور الأدارات المتعاقبة وعدم كفاءتها ، ولم تجيد شيئا ً سوى السرقات والفساد البائن ،بحيث لم يقتصر الأمر على تدهور العملة في العراق رغم أهميتها ،بل تعدى ذلك الى تدهور سمعة البلاد والتي كانت توصف بجنة عدن ،وبلد كل خير ،حيث احتوى تراب العراق كل أنواع الثروات في تنوع من شماله الى جنوبه !
العراق اليوم محاصر أقتصاديا ً،ولكن لايوجد عدو خارجي يحاصره ،فهو محاصر من حكومته وأجرائاتها التي تستهدف عامة الشعب ، لقد تفتقت عقول ساسته عن هذه العبقرية في وقت يكاد يبلغ فيه سعر برميل النفط 70 دولار، ولايوجد أي تبرير لما حصل ؟!
هل يصح ان يلقي الساسة بأخطائهم على عاهل الناس ؟
طبعا ً لايصح هذا ،ولكن هذا ماتفعله الحكومات البريمرية منذ ان جلبها الأمريكان بعد أحداث 2003 ولحد اليوم ، وهي تتصارع مع بعضها على الأستيلاء على أكبر مايمكن من ثروات العراق دون التفكير بمستقبل العراقيين ،وقد خدعوا الناس بأشكال عديدة من المسميات ، الدين والديمقراطية والخلاص من النظام الديكتاتوري وغيرها ،غير انهم في الحقيقة أخذوا العراق الى مراتب دنيا في التصنيف العالمي بعد ان كان بلدا ً غنيا ً زاهيا ً ، كان شعبه يحلم بالعيش على انغام مستقبل زاهر ،بعد التخلص من الدكتاتورية البغيضة .
لاتوجد صناعة ولازراعة !
بلد يعيش على الأستيراد الخارجي في كل شئ ، وجميع قياداته فشلت فشل ذريع في تحقيق أي منجز يستحق الذكر ،فجميع المصانع السابقة التي كانت تعمل وتنتج ،توقفت بحكمة هؤلاء الذين جمعهم الأمريكان من الفاشلين المتسكعين في أزقة أوربا والغرب ، وجنسهم بجنسيات غربية لكي يعودوا بموارد العراق وخيراته الى دول الغرب !
وبالنتيجة تحول الكادر الفني الذي كان يعمل على الأنتاج الى مهن أخرى ،كأداريين لاحول ولا قوة لهم ،أو أحيلوا على التقاعد ،واصبح العراق يستورد حتى قنينة الماء !
أما الزراعة فقد قتلت بعد ان ترك الفلاح يعمل ويكد ويتعب ثم يبيع الحاصل بسعر علف الحيوانات ،كما ان أي مشاريع اروائية او زراعية كبيرة لم تجرى وتركت الأرض تأكلها الملوحة ،وهناك مشكلة يتعرض لها نهر الفرات بعد دخولة مدينة السماوة ،حيث تتحول مياهه الى الملوحة بعد ان يدخل منطقة ملحية ، وهي حتما ً مشكلة ولكن ليس صعبا ً حلها لو توفرت الأرادة والضمائر الحية ،ولكن الأثنان ميتان في حكومات بريمر ،فلم تحل هذه المشكلة الى يومنا هذا !
أما مناطق الأهوار فقد تركت كما كانت في عصور قبل التاريخ ، فلا هي ضبطت بسداد مناسبة ليتم الأستفادة من اراضيها الشاسعة للزراعة وتربية الماشية وغيرها ، ولا هي استثمرت كمناطق سياحية وبيئية واسعة مما تحويه من ثروات متنوعة .
السياحة لوحدها حسرة وألم فضيع !
لاأدري كيف أن بلدا ً ،حتى في أشد الظروف صعوبة ،يدخله ملايين السياح سنويا ً ،لايستطيع ان يوفر رواتب موظفيه ويدعي عباقرة مسؤوليه ان الأقتراض الحل الوحيد لمشاكله !
يحوي العراق أضافة الى المراقد الدينية مئات المواقع الأثرية التي لاتزال مطمورة لم يكشف عنها النقاب حتى الآن ، كما ان تنوع أرضه ومناطقه السياحية ورغم أهمال الحكومات لها تجعله قبله سياحية دون منازع ،ولكن رغم كل ذلك فهي موارد منهوبة غير موجهة لخدمة البلاد ، وحتى لو وضعت الحكومات اليد عليها فستكون ضمن الثروات المنهوبة والتي لايمكن حسابها كموارد ثابتة للخزينة العامة .
حقيقة ان ماتطرقنا له يعتبر غيض من فيض لماتحويه أرض العراق من خيرات جعلت من العراق محط انظار الدول الأستعمارية التي سلبت أهله كل أرادة وتركتهم كالجمل الذي يحمل الذهب ويأكل العاقول !