منذ تاسيس المجالس الحسينية في عهد النبي الاكرم محمد ( صلى الله عليه واله) كما نصت الروايات العديدة، واستمرارها في عهد الائمة ( عليهم السلام) وتطور هذه المجالس والمراسم (الشعائر الحسينية) المباركة الى الوقت الحاضر، ساهمت في تطوير الجوانب الانسانية لدى الفرد والمجتمع على حد سواء، سيما وان هذه المراسم والشعائر نبعت من خلال تعاليم وتوجيهات اهل البيت (عليهم السلام) الذين هم الامتداد الطبيعي للنبوة، وحفاظ مبادئ الدين الاسلامي الحنيف الذي حاول اعداء الدين ان يمارسوا شتى انواع الطمس والتغييب لقيمه ومبادئه الاسلامية، الا ان هذه المبادئ والقيم استمرت وتوطدت بفضل الدماء الطاهرة للامام الحسين (عليه السلام) والثلة المباركة لاهل بيته وانصاره حين سالت دماؤهم الطاهرة على ارض كربلاء سبة 61 للهجرة، فكانت المراسم والمواكب ومجالس العزاء الحسيني الامتداد الثوري والفكري والتربوي لهذه النهضة المباركة، سيما وان جذوة ووهج نهضة كربلاء تزداد يوما بعد اخر، وعاما بعد عام، بل وزاد انتشارها على مستوى الكرة الارضية، فقضية الحسين(عليه السلام) ليست قضية مختصرة على الدين الاسلامي، وانما هي قضية عالمية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فالاصلاح والانسانية والحرية والعدالة ونبذ الظلم ومكافحة العبودية والاستبداد هي من الاهداف التي خرج من اجلها الامام الحسين ( عليه السلام)، وهذه الاهداف هي عين لاهداف التي ينشدها كل الثوار والاحرار في العالم، وعلى مر العصور، فجاءت هذه الشعائر لتؤكد وتوثق هذه الاهداف بشكل واقعي ومباشر، ويسهم في ايصال مفهوم النهضة الحسينية المقدسة لكل العالم من خلال طرق واساليب عقلية تتطور بتطور الزمن لتكون مفهومة ومعلومة عند الاخر، ومن خلال ما تقدم يمكن بيان منافع وفوائد المجالس والمراسم الحسينية وكما ذكرها السيد محمد رضا الحسيني الجلالي في كتابه حول نهضة الحسين( عليه السلام) صفحة31، وما بعدها وكما يلي:-
الأول: أنها مدرسة قائمة مدى الدهر, تعلم أبناءها كل علم وكل ثقافة؛ فهي توضيح لأحكام الشريعة والقوانين الإسلامية للأمة، وتبحث عن التأريخ بأهم أطواره وأبهى صوره، ويبحث فيها عن الجغرافية بأوسع مناهجها، وأضبط طرقها، وفيها تحقيق عن الرجال - مسلمين وغيرهم - بأحسن الأُصول، وبيان للعقائد الكلامية بالأدلة الرصينة؛ من توحيد، ونبوة، وإمامة، وعدل، ومعاد، وهكذا يدرس فيها كل ما ينشئ المجتمع ، ويرقي الإنسان؛ فلهذا ترى الشيعي أكثر من أفراد كل أمة علما وثقافة، وفراسة ومهارة .
الثاني: أنها مؤتمر ديني يجتمع فيه المسلمون، ويبحثون عن أحوالهم، ويتداركون مواقع الضعف، ويتبادلون الآراء في شؤونهم، فيتمكنون من التآزر والاتحاد ليسيروا على النهج القويم؛ وهذا مما لا يتمكن عليه إلا بالجهد الكثير، والمال الوافر، والمشقة العظيمة، ولكن هذه الأمة لما اعتادت عقد هذا المؤتمر الذي وضع أساسه الإمام الحسين بن علي (عليهما السلام) يحصل في كل آن بدون أي مشقة وعناء .
الثالث: أنها تثبيت لعقائد الأمّة، ورد للشبه عن مبدئها، وهذا هو أسمى الغايات؛ فلذلك ترى العامي الشيعي قوي في عقيدته وإيمانه بأدلة قاطعة وبراهين ساطعة, وهذا عطاء من الحسين (عليه السلام) إلى هذه الأمة .
الرابع: أنها محكمة سلمية قائمة بين الحق والباطل، وهي واسعة المجال للنقد والبحث في المسائل الدينية والسياسية والعلمية وغيرها من مختلف المسائل؛ وبذلك تتوسع دائرة التفكير، وينبلج الحق لمريده، وتزداد المعرفة والثقافة, وبحضورها يتضح الواقع لمن انحاز عنه ولم يتمكن من طلبه بالسؤال، وهذا مما اختصت به هذه الأمة بـ (المآتم الحسينية) .
الخامس: أنها بث للمبدأ ونشر للدعوة، وهو الذي قام الحسين (عليه السلام) لأجله وأُريق دمه في سبيله؛ فكم من ضال اهتدى بحضور هذه المآتم، وكم من مسيحي أو يهودي أو مجوسي استسلم فيها، وكم من منحرف استقام، وهذا كله بتوضيح الواقع والمناقشة مع الباطل في تلك المحافل .
السادس: أنها جهاد متواصل ضد الظلم في جميع الأزمان، وهذا شيء لا غبار عليه .
السابع: ذكر فضائل قادة الدين ورؤساء المسلمين مما يوجب ثبات العقيدة بهم، واتباع آثارهم الحكيمة، وآرائهم الرصينة، والاقتداء بهم في أخلاقهم الإسلامية السامية؛ فإنها هي التي توجب عز المسلمين، وتقدمهم في جميع مجالات الحياة، وكذلك فضل الرجال الصلحاء، والعلماء والزهاد، والحكام العدول المؤمنين للاقتداء بهم في صفاتهم الحسنة ومآثرهم الحميدة .
الثامن: تأثر النفوس بمصائب آل البيت ومظلوميتهم، وهو الذي يكون حافزاً للتفاني في سبيل الحق وإعلاء كلمته والتشبث به، كما حدث - عياناً - في هدم كيان الظلم عندما انتشرت أخبار الحسين ومظلوميته ومصائبه إلى العالم، وتبين مدى ظلم بني أمية وقساوتهم تجاه أهل البيت (عليهم السلام)، وكثيراً ما سمعناه أن أفراداً لا يعتقدون بالإسلام، أو أشخاصاً من غير الشيعة استسلموا وتشيّعوا؛ لما أثر في قلوبهم من المصائب التي تحملها الحسين (عليه السلام) بصبر كبير، وفعلها يزيد بعنف كثير، تلك المصائب التي لا تتحمل إلا في سبيل الحق وإعلاء كلمته .
وهناك فوائد اخرى كثيرة، ومتعددة للشعائر والمراسم الحسينية، وقد ذكرنا ما وجدنا في كتاب السيد الجلالي من بعض هذه المنافع والفوائد، واذا اردنا ان نتوسع في ذكر منافع الشعائر الحسينية فاننا نحتاج الى تاليف مجلدات كثيرة، - وخصوصا- اذا ما علمنا ان منافع وفوائد الشعائر والمراسم الحسينية المباركة قد اثرت في كل الجوانب الانسانية من قبيل الجانب التربوي والفكري والعقائدي والديني والسياسي والتنموي والاعلامي وغيرها من الجوانب الانسانية التي انعمت الشعائر الحسينية المباركة عليها بثمراتها وفوادها القيمة .